للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هاهنا التَّنْبيه على أن مستنده التَّغرير كما في التَّصرية، وكذا خيار النَّجَش (١) إن أثبتناه،


= الحقيقة مخالف لصريح النص. ومحاولة استخراج علة خاصة من النص تتنافى وثبوت الخيار لهم محاولة تهدم النص، وهي في الوقت نفسه عكس ما هو المعروف لدى جميع العلماء من أنه يؤخذ النص بعد ثبوت صحته على أنه مسلم الحكم ثم يبحث بعد ذلك عن العلة التي تتفق وحكمه. وقد ذهب قلة من العلماء إلى أن تلقي الركبان للشراء منهم غير محرم بحال، محتجين بما روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام" حيث عبَّر: "بكنا نتلقى" وهي صيغة دالة على التكرار، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مع معرفته بهذا لم ينكره عليهم، وإنما أنكر على المشترين أن يبيعوا الطعام حيث شروه، وأوجب عليهم أن يهبطوا به السوق أولاً. وهذا أمر وراء التلقي للركبان للشراء منهم. وهذا مذهب ضعيف غاية الضعف؛ لأن النهي عن التلقي للشراء قد ثبت بأحاديث أخر أصح، وأصرح على أنه لا مانع من العمل بموجب الحديثين معاً فيكون التلقي للشراء منهم حراماً، والبيع حيث الشراء حراماً مراعاة للجانبين؛ جانب الركبان وجانب أهل الأمصار. والذي يظهر أن هذا الحديث يصلح متمسكاً للحنفية والمالكية في قصرهم علة النهي عن تلقي الركبان على دفع الضرر عن أهل المصر. لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن بيع ما شروا من الجلب حتى يهبطوا السوق، وهذا طبعاً مقصود منه مصلحة أهل الأمصار، فيكون النهي عن تلقي الركبان للشراء منهم مقصوداً منه مصلحة أهل الأمصار أيضاً. ولكنه مع ذلك متمسك ضعيف؛ لأن إثبات الخيار للركبان إذا هبطوا السوق يجعلهم مقصودين من النهي، أيضاً. ينظر تكملة المجموع (١٢/ ٣٢٧)، مغنى المحتاج (٢/ ٣٧) المحلى (٨/ ٤٥٠).
(١) النجش في اصطلاح الفقهاء هو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ليفر من يريد شراءها فيشتريها بأكثر من قيمتها. وهو مأخوذ من ينجش الصيد ينجشه نجشاً إذا استثاره ليصيده، فكما أن الصائد يحتال على الصيد بعمله هذا ليقتضيه، فالناجش يحتال على المشتري حتى يشتري السلعة بأكثر مما تستحق. فالفعل يدل لغة وشرعاً على الاحتيال والمكر والخداع. ومعنى خيار النجش على هذا ثبوت حق فسخ البيع للمشتري في كل بيع قد غر فيه على النحو الذي بيناه. والنجش في البيع حرام باتفاق الفقهاء، إذا أدى إلى بيع السلعة بأكثر من قيمتها للنهي عنه، فقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لاَ تَنَاجشُوا" والمعنى فيه أنه تغرير وتحايل وإيقاع الأذى بالغير. فإن لم يؤد إلى بيع السلعة بأكثر من قيمتها فهو أيضاً حرام عند الشافعية لعموم النهي، ولأن المشتري يتأذى به على كل حال إذ لولا النجش لكان من الممكن أن يشتريها بأقل سعراً مما اشترى، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: "دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ الله بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ". بينما هو حلال عند الحنفية؛ لأنه يؤدى إلى نفع مسلم -هو البائع- من غير إضرار بغيره؛ لأن الفرض أن المشتري اشتراها بقيمتها أو أقل. وأكثر العلماء على أن النجش وإن أدى إلى بيع السلعة بأكثر من قيمتها فهو لا يفسد البيع؛ لأن النهي راجع إلى أمر خارج عن العقد. وقليل منهم هم الذين قالوا إن النجش يفسد البيع، لأن مطلق النهي عندهم يقتضي الفساد ويروى هذا عن أحمد، وينسبه بعضهم أيضاً إلى أهل الظاهر. والذي رأيناه لابن حزم أن البيع صحيح وللمشتري الخيار. والذين قالوا إن البيع صحيح اختلفوا في إثبات الخيار للمشتري إذا غبن. وكل قال بموجب مذهبه في الخيار بالغبن. فلا خيار له عند الشافعية والحنفية، وله الخيار عند الحنابلة وابن حزم للتضليل عليه. وقال الأولون هو المقصر. وأما المالكية ففصلوا تفصيلاً أراه وجيهاً، فقالوا إن ثبت علم البائع بغرض الناجش، فللمشتري الخيار لسوء نية البائع؛ ولأنه حينئذ يكون =

<<  <  ج: ص:  >  >>