للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= للجالبين إذا باعوا شيئاً ممن تلقاهم، ثم هبطوا البلد فوجدوا أنهم قد باعوا بأقل من سعر السوق. والأصل فيه هو ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتلقى الجلب فإن تلقاه إنسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق". وقد ذهب بعضهم إلى بطلان هذا البيع للنهي عنه، ولكنهم محجوجون بالحديث نفسه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جعلهم بالخيار إذا هبطوا السوق، ولا يكون الخيار إلا في بيع صحيح. وقد اختلف في علة النهي. هل المقصود منه دفع الضرر عن الجالب؛ لأنه في الغالب يبيع بسعر أقل من سعر السوق أم المقصود هو دفع الضرر عن أهل البلد بحرمانهم من اشتراكهم في السلع المجلوبة؛ ولأنها تباع لهم بسعر أعلى مما لو هبط الجالبون أنفسهم السوق وتولوا بيعها؟ أم أن هذا النهي لا علة له أصلاً بل هو حكم تعبيدي؟. بالأخير قال الظاهرية فأحكام الشريعة عندهم تعبد محض لا تعلل ولا يقاس عليها. ولذلك فهم يجعلون الخيار للجلاب مطلقاً إذا هبطوا السوق سواء غبنوا في البيع أو لم يغبنوا عملاً بإطلاق الحديث. وبالثاني قال المالكية فالمنع عندهم من التلقي مقصود منه مصلحة أهل الأسواق الدين جلسوا يبتغون فضل الله ورحمته، ويترقبون ورود أهل البضاعات إليهم ليتسابقوا في الشراء منهم. والنتيجة الحتمية لهذا الرأي أن الجالب لا حق له في فسخ البيع، إذا هبط السوق، وتبين أنه قد غبن. وهذا هو مذهب المالكية بعينه. إلا أنهم اختلفوا هل يجبر المتلقي على إشراكه أهل السوق في السلعة دفعاً للضرر عنهم بقدر الإمكان أم لا يجبر لأن البيع قد وقع صحيحاً، ولا ينزع من أحد ملكه قهراً عنه؟ روايتان: ويمثل قول المالكية قال الحنفية إلا أنهم يفترقون عن المالكية من جهة أن البائع لا يجبر على إشراك أهل السوق عندهم قولاً واحداً. وهذا آتٍ من جهة أنهم راعوا مصلحة المستهلكين من أهل البلد لا مصلحة التجار والممولين كما هو رأي المالكية. وبالأول قال الشافعية، فالمنع عندهم مقصود منه مصلحة الجالب نفسه، فلو هبط السوق، وتبين أنه قد غبن في السعر ولو غبناً يسيراً فهو بالخيار، إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أمضاه بالثمن المتفق عليه. فلو لم يكن هناك غبن فلا خيار ولا حرمة. وحجتهم على هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل للجالب الخيار إذا هبط السوق، وما ذاك إلا لمعرفته بالسعر حينئذ، فلا يفسخ إلا إذا عرف أنه مغبون، وإلا لم يكن لهذا التقييد من فائدة. ويفرق بعض الشافعية بين ثبوت الخيار للبائع إذا تلقاه المشتري فاشترى منه بغبن، وبين عدم ثبوته له إذا اشترى منه المشتري بغبن في الحضر، بأن المشتري في الحالة الأولى غرر بالبائع حيث أخبره بالسعر على غير حقيقته، وهذا فرق غير وجيه؛ لأنه لو اشترى منه فغبنه كان له الخيار ولو لم يخبره بسعر السوق. وأيضاً لو دلس البالع على المشتري في السعر في الحضر فقال أعطيت في هذه السلعة كذا وكذا، فصدقه المشتري فلا خيار له كالنجش سواء بسواء، وإذا فالتغرير غير معتبر عندهم في إثبات الخيار للمغبون، وأما الحنابلة فالظاهر من شأنهم أنهم يجعلون المقصود من النهي عن تلقي الجلب هو مراعاة المصلحتين معاً مصلحة الجلاب، ومصلحة أهل الأمصار. فجعلوا الجالب بالخيار إذا غبن غبناً فاحشاً، وحرموا التلقي إذا تضرر به أهل المصر، وهذا كما هو ظاهر، أعدل المذاهب. والنص لا يفيد سوى قصر الخيار على الجلاب، والحرمة أمر وراء ذلك. هذا ومذهب الحنفية والمالكية القائل إنه لا خيار للجلاب إذا باعوا بغبن فهبطوا السوق، وتبينوا =

<<  <  ج: ص:  >  >>