للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواز على اللزوم بعد ثبوت اللزوم، لكن المواد منه أحد أمرين:

أولهما: أنَّ البيع من العقود التي يقتضي وضعها اللُّزُوم ليتمكن كل واحد من المُتَعَاقدين من التصرف فيما أخذه آمنا من نقض صاحبه عليه.

والثَّاني: أن الغالب من حالات البيع اللزوم، والجواز لا يثبت إلاَّ في الأقل، ومن البينات أن المراد من اللُّزوم انفكاكه عن الخيار، ومن الجواز كونه بحال ثبوت الخيار، ثم الخيار على قسمين؛ لأنه إمَّا أن لا يتوقف على فوات شيء بل يتعلق بمجرد التَّشهي، وهذا ما عبر عنه بخيار التَّروي، وإما أن يتوقف على فوات شيء مظنون الحصول، وهذا ما عبر عنه بخيار النَّقِيصة.

أما القسم الأول فقد ذكر في الكتاب أن له سببين، وهو مفرع على قولنا: إن بيع الغائب لا يصح، فإن صححناه أثبتنا خيار الرؤية، ومعلوم أنه لا يتوقَّف على فوات شيء فتصير الأسباب ثلاثة:

السبب الأول: كونهما مجتمعين في مجلس العقد، ولكل واحد من المُتَابعين فسخ البيع ما لم يتفرَّقا أو يتخايرا على ما سنفصله، وبه قال أحمد.

وقال مالك وأبو حنيفة: لا خيار بالمجلس.


= أكثر من النكاح؛ لأن ثبوت الخيار في النكاح بعد العقدة يضع من شأن الرجل والمرأة، ويجرح شعورهما، ويجعلهما كالسلع محلاً للأخذ والرد. وهذه فروق في نظري غير مؤثرة، ولكنا ذكرناها تبعاً للقوم. والفرق المؤثر الصحيح في نظري هو أن عقد النكاح من العقود التي لا تدخلها الخيارات باتفاق الخصوم أنفسهم؛ لأنها على خلاف مقتضاها بدليل عدم دخول الإقالة فيها بل وعلى خلاف مقصودها؛ لأن مقصودها الدوام والاستمرار. فقياس البيع على النكاح باعتبار اللزوم بمجرد العقد ليس بأولى من قياسه عليه باعتبار عدم صحة الإقالة. فما الذي رجح القياس الأول على الثاني؟.
وثانياً: يرد على قولهم -إن في جواز الفسخ من أحدهما استقلالاً جواز إبطال حق الآخر بدون رضاه- بأن ثبوت الحق إنما هو بالشرع، والشرع نفاه إلى انتهاء الخيار كما قال الكمال وهو منكم. هذا وأما استدلال المالكية لإجماع أهل المدينة على العمل بخلاف موجب أحاديث خيار المجلس، فهو مبني على أن إجماعهم حجة ولم يوافقهم عليه غيرهم على أن الإجماع لم يسلم لهم فهذا ابن أبي ذئب ممن قال بمشروعية خيار المجلس، وكان يقول يستتاب مالك لمخالفته الحديث. وما أدري ما هذا الإجماع وعلماء المدينة القدامى كانوا كلهم أو جلهم على القول بخيار المجلس؟ نذكر منهم من الصحابة ابن عمر رأس علماء الصحابة بالمدينة ومن التابعين ابن المسيب كبير فقهاء المدينة من التابعين. نقل ذلك ابن حزم عن البخاري في طائفة كبيرة من الصحابة والتابعين ينظر فتح القدير (٥/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>