للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أصررتم على أن الأصل في الاستعمال الحقيقة جاريناكم ملتمسين الترجيح من دليل آخر، والدليل -بحمد الله- بأيدينا سافر قوي من الحديث نفسه، ومن عمل الصحابة، وأقوالهم بينما أنتم ليس لكم من دليل سوى الاستعمال، وهو دليل مشترك بيننا وبينكم، بل نحن أسعد خطابه منكم. أما دليلنا من الحديث؛ فهو ما ورد في بعض ألفاظ الحديث المروي عن ابن عمر: "وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ" ومعنى وجب ثبت ولزم فقد رتب لزوم البيع على التفرق، وهو يدل على أن التفرق بعد البيع، وأنه بالأبدان، لأن التفرق قبل البيع يلزم عدم وجوده لا لزومه. فكيف والحديث نفسه يصرح بأن التفرق بعد البيع، ولا يكون بعد البيع إلا ويكون بالأبدان ودل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ" على أن للعاقد فسخ البيع بعد حصوله. ومما هو صريح في أن التفرق في الحديث مراد منه التفرق بالأبدان ما رواه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا". وأما دليلنا من عمل الصحابة وأقوالهم فهو ما وردت به بعض الروايات الصحيحة: "وكان ابن عمر -رحمه الله- إذا بايع رجلاً فأراد ألا يقيله تام فمشى هنيهة ثم رجع"، وكذلك ما ورد في قصة الرجلين اللذين احتكما إلى أبي برزة من قوله: "ما أراكما افترقتما"، وكان هذا القول من بعد تمام البيع، وهذا وحده كاف في أن يراد منه التفرق بالأبدان، فكيف وهو يعني به هذا المعنى أيضاً؟ .. فإن دفعتم بأن هذا فهم لهما في الحديث، ولسنا بملزمين به قلنا، ومن المتفق عليها بيننا أن الصحابي أعلم الناس بما روى لمشاهدته التنزيل، وعلم بالحادثة التي قيل فيها الحديث، فكيف ولم يعلم لهما مخالف من الصحابة؟ يقول صاحب الفتح: "لا يعلم لابن عمر ولا لأبي برزة مخالف من الصحابة". وتقولون في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ: اخْتَرْ" أي اختر قبول البيع وهذا باطل من وجوه؛ لأن التخيير قسيم التفرق، وهو بعد البَيع كما بينا فكذلك التخيير؛ ولأن أحدهما شامل للبائع والمشتري على البدل، ولا يتأتى هذا إلا في خيار المجلس بخلاف خيار القبول، فإن الذي يمكن أن يصدر منه لفظ اختر هو الموجب وحده؛ ولأنه قد ورد بعض الروايات مصرحاً في التخيير بعد البيع نذكر منها ما روي عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خير أعرابياً بعد البيع" رواه الترمذي وصححه، وإذا فقد وضح -والحمد لله- أن أحاديث الخيار محمولة على خيار المجلس بل لا تحتمل غيره وليست كما تدعون محمولة على خيار القبول. وأنها لذلك صالحة لتقييد إطلاق الآيات التي استدللتم بها على نفي خيار المجلس، لا سيما ودلالة العموم في هذه الآيات ظنية باتفاق، لأنها مقيدة بأحاديث وآيات أخر دالة على حرمة كثير من المعاملات، ولنرجع بعد كل هذا إلى مناقشة باقي أدلة المنكرين. أما احتجاجهم بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ" فيسلك به مسلك الآيات، فهو عام مخصوص بأحاديث خيار المجلس. وأما احتجاجهم بحديث عمرو بن شعيب: "المبَيْعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ ... الخ " فعجب عجاب أن تجعلوه دليلاً لكم، وهو دليل لنا عليكم؛ لأن المراد بالإقالة في الحديث إنما هو الفسخ، والدليل على هذا من وجوه:
الأول: أنه -عليه الصلاة والسلام- أثبت لكل من البيع والمبتدع الخيار ما لم يتفرقا ثم ذكر الاستقالة، ومعلوم أن من له الخيار غير محتاج إليها، فدل لك على أن المراد بها الفسخ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>