للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الحقيقة صدق على كل من المتشاغلين أنه بائع حينئذ. نظير ذلك المخبر لا حقيقة له إلا حال النطق بالخبر، لأنها حال المباشرة وأجزاؤه لا تقوم به دفعة واحدة لتصدق حقيقته حال قيام المعنى بل على التعاقب. "وهذا في يقيني قياس مع الفارق؛ لأن البيع مثل الأخبار الأول حقيقته ربط القبول بالإيجاب، والثاني حقيقته ربط الخبر بالمبتدأ والبائع مثل المخبر. فكما لا يسمى المتكلم بالمبتدأ مخبراً لعدم وجود الربط بعد. كذلك لا يسمى الموجب بائعاً لعدم الربط. ولكنه إذا شرع في التكلم بالخبر سمي مخبراً لوجود الربط الذي هو حقيقة الأخبار. كذلك إذا شرع القابل في القبول سمي بائعاً؛ لوجود حقيقة البيع، وهي ربط القبول بالإيجاب وسمي الموجب أيضاً بائعاً حينئذ؛ لتنزيل كلاميهما منزلة كلام واحد. قلنا أن نختار أن حقيقة البيع إنما هي في حال قبول القابل فقط، وأن إطلاق البائع على كل منهما قبله وبعده مجاز لا يقال إن تصور خيار القبول حينئذ ممكن بأن يرجع الموجب أو القابل في حال النطق بالقبول عن قوله. لأنا نقول مثل هذا البعيد جداً لو جازه زمن النطق بالقبول، فلا تحمل عليه أحاديث خيار المجلس. بقي أن يقال ما دمنا قد اخترنا أن إطلاق البائع على كل منهما بعد البيع وقبله مجاز، فما المرجح لأن يراد من المتبايعين في الحديث من ثم البيع بينهما حتى يكون محمولاً على خيار المجلس ولماذا لم يكن الأمر بالعكس بأن يراد منهما من لم يتم البيع بينهما ولكنهما يتشاغلان به حتى يكون الحديث محمولاً على خيار القبول؟ لأنا نقول المرجح موجود؛ لأن المجاز الأول مشهور بخلاف الثاني والمشهور مقدم على غير المشهور بل الصاحبان من الحنفية يقدمانه على الحقيقة غير المستعملة". "بقي قول الكمال إنه يفهم بطريق التباد من قولنا زيد وعمرو هناك يتبايعان أنهما يتشاغلان بالبيع، ويتراوضان فيه والتبادر أمارة الحقيقة. قلنا ألا نسلم أن التبادر دائماً أمارة الحقيقة، وإنما هذا عند التجرد عن القرائن. فإنه قد يتبادر المعنى المجازي لقرينة دالة عليه. والتبادر هنا نشأ عن القرينة الحالية. لأن حالة المباشرة التي من أجلها يطلق لفظ البائع على كل منهما حقيقة حالة يسيرة جداً هي حالة النطق بالقبول، وزمنها لا يسع مجيء المتكلم من عند البائعين، وتكليمه المخاطب بهذا القول. فبالضرورة يفهم من قوله -هناك يتبايعان- أنهما يتراوضان فيه" بعد هذا التحقيق الذي تنهار له كل اعتراضات الحنفية والمالكية على الجمهور في استدلالهم بأحاديث الخيار على أن المراد منه خيار المجلس -نرجع إلى ما كنا فيه من دحض اعتراضاتهم تفصيلاً من قبل الجمهور. قلتم أيها المنكرون لخيار المجلس حين أوردنا عليكم أن حمل الحديث على خيار القبول يجعله عديم الجدوى؛ لأن كل واحد يعرف بالعادة والعرف أن العاقدين ما دام لم يوجد القبول هما بالخيار إن شاءا عقدا البيع، وإن شاءا لم يعقداه. قلتم بل الفائدة محققة، وهي دفع توهم أن القابل ملزم بالبيع بمجرد إيجاب الموجب للرضا السابق. وهذا توهم لا أصل له؛ لأن عرف الناس في المعاملة على خلافه ولو فرض حصول هذا التوهم عند بعض الناس فهو من قبيل النادر جداً، ولا يحصل إلا لمن جهل العرف والعادة، وإذا جهلهما فهو بالحديث أشد جهلاً. وقلتم أن المراد بالتفرق تفرق الأقوال. وضربتم لذلك الأمثال زاعمين أنه يطلق حقيقة عليه أيضاً. وكيف نسلم لكلم ذلك؟ وأهل اللغة الموثوق بنقلهم ومعرفتهم باللسان يفرقون بين افترق وتفرق؛ فالأولى في الأقوال، والثانية في الأبدان. وعلى ذلك يكون استعمال كل منهما موضع الأخرى مجازاً. فإن =

<<  <  ج: ص:  >  >>