للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن القيم: " وإذا صارت المرضعة أمه صار صاحب اللبن أباه، وآباؤه أجداده، فنبه بالمرضعة صاحبة اللبن التي هي مودع فيها للأب على كونه أباً بطريق الأولى؛ لأن اللبن له، وبوطئه ثاب، ولهذا حكم رسول الله بتحريم لبن الفحل، فثبت بالنص وإيمائه انتشار حرمة الرضاع إلى أم المرتضع وأبيه من الرضاعة، وأنه قد صار ابناً لهما، وصار أبوين له " (١).

ثمَّ إن الله سبحانه أطلق الإرضاع في الآية ولم يقيده بصفة، فظاهر الآية أن مطلق الإرضاع يحرم، والظاهر لا يعدل عنه إلا بدليل، وقد عدل العلماء عن ظاهر إطلاقه إلى تقييد بالقرآن والسنة (٢).

أما القرآن فقد استنبط بعض أهل العلم من قوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] أن الرضاع المحرِّم ما كان في مدة الحولين، واستدلوا بقوله : «إنما الرضاعة من المجاعة» (٣)، والمجاعة إنما تثبت في حق من يقوم له الرضاع مقام الغذاء عند الجوع، وهذا إنما يكون في الحولين.

كما أن العلماء عدلوا عن ظاهر الآية وقيدوا إطلاق الرضاع بقيد آخر، وهو العدد، واختلفوا في قدر ما يحرم من الرضاع، فقيل المصة الواحدة تحرّم، وقيل الثلاث، وقيل الخمس، وقيل: العشر (٤).

وتخصيص الأمهات والأخوات بالذكر لا يدل على أن ما عداهن ممن يدلي


(١) زاد المعاد لابن القيم (٥/ ١٢٠ - ١٢١).
(٢) انظر: تيسير البيان للموزعي (٢/ ٣١٥ - ٣١٦).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الشهادة، باب الشهادة على الأنساب برقم (٢٥٠٤)، ومسلم في كتاب الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة، برقم (١٤٥٥).
(٤) انظر: تيسير البيان للموزعي (٢/ ٣١٥ - ٣٢٥)، وأحكام القرآن لابن الفرس (٢/ ١٢٧).

<<  <   >  >>