للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن خبر النفي وارد على الأصل، وخبر الإيجاب ناقل عنه، فوجب حظر الصلاة قبل إحداث الطهارة بعد المس.

قيل له: لا يلزمنا ذلك؛ لأن خبر الوضوء من مس الذكر لو انفرد عن معارضة خبر النفي لما لزمنا قبوله على أصلنا؛ لأنه مما بالناس إلى معرفته حاجة عامة (١)، فلا يقبل فيه أخبار الآحاد، وإنما ذكرنا الاعتبار الذي وصفنا في الخبرين إذا توازيا وتساويا في النقل ووجه الاستعمال، فأما إذا كانا على غير هذا الوجه فلهما حكم آخر" (٢).

• المثال الثاني:

قال التاج السبكي: "وألزم إمام الحرمين مالكًا - رضي الله عنه - إن قال بالتمسك بكل رأي من غير قرب ومداناة بأن العاقل ذا الرأي العالم بوجوه الآيات إذا أرجع المفتين في واقعة، فأعلموه أنها ليست بمنصوصة، ولا أصل يضاهيها، بأن يسوغ له والحالة هذه أن يعمل بالصواب عنده، والأليق بطرق الاستصلاح.

قال (٣): وهذا مَرْكَبٌ صعب، مساقه ردّ الأمر إلى عقول العقلاء، واحتكام الحكماء، ونحن على قطع نعلم أن الأمر بخلاف ذلك. ثم وجوه الرأي تختلف بالبقاع والأصقاع (٤) والأوقات، وعقول العقلاء تتباين، فيلزم اختلاف الأحكام باختلاف


(١) يقصد بذلك: أن خبر بُسْرة بنت صفوان في إيجاب الوضوء من مس الذكر خبر واحد فيما تعم به البلوى، وهذا النوع من الأخبار عند الحنفية ليس بحجة. وأما ما ذكر من ترجيح خبر الحظر على خبر الإباحة؛ فإنما هو في الخبرين المتساويين في النقل ووجه الاستعمال.
(٢) يُنظر: الفصول في الأصول (٢/ ٢٩٩).
(٣) أي إمام الحرمين.
(٤) الأصقاع: جمع صُقع: الناحية من البلاد، والجهة أيضًا والمَحَلَّةُ، وهو في صُقْعِ بني فلان: أي في ناحيتهم ومحلِتهم. يُنظر: الصحاح (ص: ٥٩٥)؛ المصباح المنير (٢/ ٣٤٥) مادة: (صقع).

<<  <   >  >>