فالذي ذهب إليه أصحاب أبي حنيفة وطوائف من المحدثين: أن ذلك يوهي الحديث، ويمنع العمل به. (١)
وأطلق الشافعي القول بقبول الحديث وإيجاب العمل به.
وذكر القاضي (٢) في ذلك تفصيلاً ونزل مطلق كلام الشافعي - رحمه الله - عليه فقال: إن قال الشيخ المرجوع إليه: كذب فلان الراوي عني، أو قال: غلط وما رويت له قط ما ذكر؛ فإذا جزم الرد عليه أوجب ذلك سقوط تلك الرواية.
فإن رد الشيخ قوله ولم يثبت الرد على الراوي عنه؛ ولكنه قال: لست أذكر هذه الرواية؛ فهذا يتضمن ردًّا للرواية إذا كان الراوي عن الشيخ موثوقًا به" (٣).
ثم ذكر في آخر المسألة قوله: "وهذا إذا لم يصرح الشيخ بالرد، فأما إذا كذبه، أو قطع بنسبته إلى الغلط؛ فقد يظهر انخرام الثقة في هذه الحالة.
وادعى القاضي على الشافعي أنه قال: ترد الرواية في مثل هذه الصورة.
والذي أختاره فيها: أن ينزل قول الشيخ القاطع بتكذيب الراوي عنه مع رواية الثقة العدل عنه منزلة خبرين متعارضين على التناقض، فإذا اتفق ذلك فقد يقتضي الحال سقوط الاحتجاج بالروايتين، وقد يقتضي ترجيح رواية على رواية بمزيد العدالة في إحدى الروايتين، أو غير ذلك من وجوه الترجيح، فلا فرق بين ذلك وبين تعارض
(١) ما ذكره الجويني عن الحنفية هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، أما محمد بن الحسن فكان يوافق الشافعي. يُنظر: أصول البزودي مع شرحه كشف الأسرار للبخاري (٣/ ١٢٤ - ١٣١)؛ أصول السرخسي (٢/ ٣).
(٢) أي الباقلاني، يُنظر هذا التفصيل في التلخيص (٢/ ٣٩٢).
(٣) البرهان (١/ ٦٥٠ - ٦٥١).