للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو قلنا: إنه موضوع للفساد لم يبطل بما ذكروه؛ لأن فساد الفعل هو: انتفاء الأغراض المقصودة بالفعل عن الفعل، أو وجوب إعادته على قول قاضي القضاة، وذلك معقول قبل الشرع، فلا يمتنع أن يوضع النهي له، كما وضعوا له أن هذا الفعل يجب إعادته، فإن الأغراض لا تتعلق به مع أن هذه ألفاظ لغوية" (١).

ثم ذكر مذهبه في النهي في العقود والإيقاعات، وأن ذلك لا يدل على فسادها، وأورد أدلة المخالف له واستدراكه عليه، وأعقب ذلك بذكر استدراك يمكن للمخالف أن يحتج به عليه فقال: "ويمكن للمخالف أن يحتج فيقول: إنكم بفصلكم بين العبادات وبين العقود والإيقاعات قد قلتم ما لم يَقُله أحد؛ لأن الأُمة مُجمعة على التسوية بين الموضعين، فمنهم من سوّى بينهما في دلالة النهي على فسادهما، ومنهم من جمع بينهما في دلالة النهي على نفي فسادهما.

والجواب: أن الذين جمعوا بينهما في نفي دلالة النهي على فسادهما لم يعنوا بالفساد ما عنيناه (٢)؛ وإنما أرادوا بالفساد وجوب القضاء بعد خروج الوقت، ولو فصل لهم ما فصلناه لما اختلفوا فيه، ولو خالفوا لم يكن ما قلناه مخالفًا للإجماع؛ لأنه إنما يكون تفرقنا بين الموضعين مخالفة للإجماع إذا نظمت الموضعين طريقة واحدة، وقد بينا أن ليس ينظمها طريقة واحدة" (٣).

ثانيًا: إمام الحرمين الجويني؛ حيث خالف الإمام الشافعي في البرهان في خمس وعشرين مسألة (٤)، وبلغ عدد مخالفته لأبي الحسن الأشعري ثلاث


(١) المعتمد (١/ ١٧٦).
(٢) معنى الفاسد عنده: عدم حصول الغرض المقصود بالفعل، وإنما يكون ذلك بعدم استيفاء الفعل شرائطه التي يقف عليها حصول الغرض المقصود به. يُنظر: المعتمد (١/ ١٧١).
(٣) المعتمد (١/ ١٧٧ - ١٧٨).
(٤) يُنظر فِهرس المسائل التي خالف فيها إمام الحرمين الشافعي في البرهان (٢/ ١٤٤٣ - ١٤٤٤). ويوجد رسالة علمية بعنوان: (المسائل الأصولية التي خالف فيها الجويني الإمام الشافعي في كتاب البرهان) رسالة ماجستير تخصص أصول الفقه بجامعة أم القرى.

<<  <   >  >>