يطلب بالاجتهاد. وإذا ثبت ذلك، يثبت بالضرورة أن من أصاب ذلك، فهو المصيب. ومن لم يصبه فهو المخطئ، لأنه قد فاته الحق الذي هو حكم الله تعالى.
فنقول:
الأمر لا يخلو:
١ - إما أن لا يكون لله تعالى في كل حادثة من الحوادث الاجتهادية التي يحتاج إليها المكلفون قبل اجتهاد المجتهد حكم أصلاً. وإما أن يحكم فيه بعد الاجتهاد.
٢ - أو يكون له في كل حادثة أحكام مختلفة، بحسب اختلاف الاجتهادات.
٣ - أو يكون له في كل حادثة حكم معين، كلف المجتهد طلبه وإصابته.
والقسم الأول والثاني- باطل، فتعين الثالث ضرورة.
والدلالة على بطلان [القسم] الأول- وجهان:
أحدهما- أن المجتهد مأمور بطلب حكم الحادثة. لأنه مأمور بالاجتهاد، والاجتهاد ليس إلا بذل الجهود في طلب الشيء، والطلب لا بد له من مطلوب لولاه لكان لغواً، والله تعالى لا يأمر باللغو- فدل الأمر بالاجتهاد وطلب الحكم، على أن لله تعالى حكماً قبل الاجتهاد.
فإن قيل: لم قلتم بأن المجتهد مكلف بطلب الحكم، بل هو مكلف بطلب شيء آخر. وبيانه من وجوه:
أحدها- أنه مكلف بطلب الأجر والثواب من الله تعالى بالاجتهاد.
وثانيها- أنه مكلف بطلب غلبة الظن، كالمتحرى في القبلة: يطلب غلبة الظن بأشياء أخر.
وثالثها- أن المطلوب هو الأشبه بالأصول، لا ما هو حكم الله تعالى من الحقيقة.