للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الوجه الثالث بعد العشرين:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ("إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .. ") هو متعلق بالخبر المحذوف، ولا جائز أن نقدر وجودها لوجود العمل ولا نية، فتعين أن نقدر نفي الصحة أو نفي الكمال، وفيه مذهبان للأصوليين، والأظهر الأول؛ لأنه أقرب إلى حضوره بالذهن عند الإطلاق، فالحمل عليه أَوْلَى، وقد يقدرونه بالاعتبار، أي: اعتبار الأعمال بالنيات، وقرب ذَلِكَ بمثل قولهم: إنما الملك بالرجال -أي: قوامه ووجوده- وإنما الرجال بالمال، وإنما الرعية بالعدل، وكل ذَلِكَ يراد به أن قوام هذِه الأشياء بهذِه الأمور. وقدَّر بعض المحدثين القبول وهو راجع إلى ثواب الآخرة، وهو مرتب على الصحة والكمال، وقد تنفك الصحة عن القبول بالنسبة إلى أحكام الدنيا فقط. وعلى تقدير إضمار الصحة أو الكمال وقع اختلاف الفقهاء، فذهب الشافعي ومالك وأحمد وداود وجمهور أهل الحجاز إلى تقدير الصحة، أي: الأعمال مجزية أو معتبرة بالنيات، أو: إنما صحتها أو اعتبارها بالنيات. فيكون قد حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، فلا يصح وضوء ولا غسل ولا تيمم إلا بنية، وذهب أبو حنيفة ومن وافقه إلى تقدير الكمال، أي: كمال الأعمال بالنيات. فيصح الوضوء والغسل بغير نية ولا يصح التيمم إلا بنية، وذهبت طائفة ثالثة إلى أنه يصح الكل من غير نية، حكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وغيره (١)، ومحل الخوض في هذِه المسألة كتب الخلافيات، وقد أوضحتها في "شرح عمدة الأحكام"، فليراجع منه (٢).


(١) "الأوسط" ١/ ٣٦٩ - ٣٧٠.
(٢) "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ١/ ١٨٣.