للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢ - قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية.

يقال: وجل يوجل وجلًا فهو وجل وأوجل: إذا فرق وخاف، وقال معن بن أوس (١):

لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول (٢)


= قال: أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر أربعة أسهم، سهمين لفرسي، وسهمًا لي، وسهمًا لأمي من ذوي القربى. ومعلوم أن نصيب ذوي القربى إنما هو من الخمس. فإن قيل: عدم تخميس غنيمة بدر ثابت عن ابن عباس -كما ذكر الواحدي- وعن عبادة بن الصامت كما روى ذلك الحاكم بسند صحيح "المستدرك" ٣/ ٣٢٦. فالجواب: أن المثبت مقدم على النافي؛ لأن عند المثبت زيادة علم.
رابعًا: أنه على القول بأن المراد بالأنفال: الغنائم، فإنه لا تعارض بين الآيتين، ووجه ذلك أن اللام في قوله تعالى: {وَالرَّسُولِ} إما أن تكون للتمليك، أو للاختصاص وبيان حق التصرف والقسمة والحكم، فإن كانت للتميك فالآية الثانية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} مخصصة لعموم الأولى، وليست ناسخة لها؛ لأنها لم ترفع جميع حكمها وإنما أبقت بعض الغنيمة لله والرسول.
أما إن كانت اللام للاختصاص وبيان حق التصرف والحكم والقسمة فإن الثانية مبينة لإجمال الأولى، فالأولى حكمت بأن حق التصرف والقسمة مختص بالله ورسوله، والثانية بينت حكم الله وقسمته للغنيمة. وبهذا يتبين عدم صحة دعوى النسخ بأي وجه من الوجوه. والله أعلم.
(١) هو: معن بن أوس بن نصر المزني، شاعر فحل، أدرك الجاهلية والإسلام، توفي سنة ٦٤هـ. انظر: "الإصابة" ٣/ ٤٩٩، و"خزانة الأدب" ٧/ ٢٦٠، و"الأعلام" ٧/ ٢٧٣.
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٢٨، وهو مطلع لاميته المشهورة باسم لامية العجم، والتي يستعطف بها صديقه، وكان معن طلق أخته وتزوج بأخرى، فآلى أخوها أن لا يكلمه. والشاعر يريد في البيت: أنه يؤثر أن يكون هو السابق في الوفاة، وهو وجل أن يبقى بعد وفاة صاحبه فيتألم لفراقه، ويذوق مرارة ذلك.
انظر: "شرح ديوان الحماسة" للتبريزي ٣/ ٤١٣٢ و"خزانة الآدب" ٨/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>