(٢) هذا القول فيه نظر، والراجح أن الآية محكمة غير منسوخة، وبيان ذلك من وجوه: أولاً: لا يصح القول بنسخ الآية اعتمادًا على قول السلف بأن هذه الآية منسوخة حتى نتحقق من وجود التعارض، وعدم إمكانية الجمع، ومعرفة التاريخ؛ لأن عادة السلف التوسع في إطلاق لفظ النسخ، فيطلقونه على بيان المجمل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، ونحو ذلك، كما يطلقونه على المعنى المعروف عند الأصوليين وهو رفع الحكم الكلي للآية. انظر: "الموافقات في أصول الأحكام" للشاطبي ٣/ ٧٣. ثانيًا: أن الراجح من أقوال المفسرين أن المراد بالأنفال في الآية: ما يعطى المقاتل زيادة على نصيبه من الغنيمة لسبب من الأسباب، وقد رجح ذلك ابن جرير ٩/ ١٧٥ - ١٧٦، وابن كثير ٢/ ٣١٣ - ٣١٦، والكيا الهراسي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٤٩. ويشهد لهذا الترجيح "أسباب النزول" فهي وإن كانت متعددة لكنها تعود في الجملة إلى قضية واحدة وهي تنفيل بعض المقاتلين شيئًا من الغنيمة، ومن أصرح ذلك ما رواه أبو أمامة عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سألته عن الأنفال، قال: فينا يوم بدر نزلت، كان الناس على ثلاث منازل: ثلث يقاتل العدو، وثلث يجمع المتاع ويأخذ الأسارى، وثلث عند الخيمة يحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما جمع المتاع اختلفوا فيه، فقال الذين جمعوه وأخذوه قد نفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل امرئ ما أصاب فهو لنا دونكم. الحديث رواه الحاكم في "المستدرك" كتاب التفسير، تفسير سورة الأنفال ٢/ ٣٢٦، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا" قال: فتقدم الفتيان، ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها، فلما فتح الله =