ينقص إلا ممن يضعف عن ذلك فيخفف عنه بقدر ما يرى الإِمام، وقال الشافعي: أولها دينار، ولا حد لأكثرها، وقال أبو حنيفة وأحمد: أقلها على الفقراء القادرين على الكسب اثنى عشر درهمًا أو دينارًا في كل سنة، وعلى أوسطهم أربعة وعشرون درهمًا أو دينارًا في كل سنة، وعلى الأغنياء من أهل الذمة مع تسليم جزيتهم، أرزاق المسلمين أي: الحافظين ثغورهم التي تليهم.
وقال سعيد بن زيد الباجي المالكي: يلزم على أهل الذمة أقوات من عندهم من أجناد المسلمين على قدر ما جرت عادة أهل تلك الجهة من الاقتيات، وقد جاء ذلك مفسرًا أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد أن عليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة مدان، ومن الزيت ثلاثة أقساط كل شهر لكل إنسان من أهل الشام والجزيرة وودك وعسل، وضيافة ثلاثة أيام، قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: يلزمهم في مدة الضيافة ما سهل عليهم، وجرت عادتهم باقتياته دون تكلف، وخروج عن عادة قوتهم، وقد شكى أهل الشام إلى عمر لما قدمها أنه إذا ترك بهم أحد من المسلمين كلفهم ذبح الدجاج والغنم، فقال عمر: أطعموهم مما تأكلون ولا تزيدوهم عنه، كذا قاله الزرقاني (١).
فإن قلت: الكفر معصية فكيف يجوز أخذ العوض على التمكن منه ولأن جاز ذلك، فلم لا يجوز أخذ العوض على التخلية بين الزاني والزانية، وكذلك سائر المعاصي؟ قلت: هذا غلط محض نشأ عن الجهل بالأحكام الشرعية، والقواعد العلمية؛ لأن الجزية ليست للتمكين من الكفر، كما زعم هذا المعترض، وإنما هي لإِسقاط القتل الواجب، فيجوز إسقاطه بعوض كالقصاص، وِيدل على جواز أخذ الجزية قوله تعالى في سورة التوبة:(ق ٣٥٠){حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩].
ومعنى قوله تعالى:{عَنْ يَدٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو أن يعطوها بأيديهم يمشون كارهون، ولا يركبون بها ركبانًا، ولا يرسلون بها، وهم صاغرون، أي: يقهرون ذليلون، وقيل غير ذلك، كذا قاله محمد التمرتاشي في (منح الغفار).