إلى مأمنهم، فلا فائدة في أخذ أموالهم، وإن كان أهل الحرب لا يأخذون من تجارنا شيئًا؛ لا يأخذ عاشرنا منهم شيئًا؛ لأنه أقرب إلى مقصود الأمان، كما بيناه في (سلم الفلاح شرح نور الإِيضاح)، من ذلك أي: يأخذ العاشر عشر القطنية، وغيرها من أموالهم، كله أي: جميع العشر من غير تفرقة بينهما. وكذلك أي: مثل ما أخذه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه من حنطة قوم النبط، وزيتهم نصف العشر، ومن القطنية العشر، أمر عمر بن الخطاب زِيَاد بن حُدَيْر بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة وسكون التحتية وبالراء، وهو أبو المغيرة الأسدي الكوفي التابعي سمع عمر وعلي، وروى عنه خلق كثير منهم الشعبي، وأنس بن مالك بالنصب عطف على زياد، حين بعثهما أي: عمر على عُشُورِ الكوفة والبصرة، الظاهر أنه لف ونشر مرتب، وهو أي: أخذ نصف العشر من مال الذمي التاجر والعُشر بتمامه. من مال الحربي التاجر قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، لما روى محمد بن الحسن في (الآثار) عن أبي حنيفة رحمه الله، عن الهيثم، عن أنس بن سيرين، قال: بعثني أنس بن مالك على الأيلة، فأخرج لي كتابًا من عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: خُذ من أموال المسلمين من كل أربعين درهمًا بدرهم، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهمًا بدرهم، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم بدرهم، ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن هشام بن حبان عن أنس بن سيرين، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان أحكام العشر، شرع في بيان أحكام الجزية على أهل الكتاب والمجوس، فقال: هذا
* * *
[باب الجزية]
في بيان أحكام الجزية، وهي بالكسر: ما يُؤخذ من أهل الذمة، وجمعها جزى، اتفق العلماء والأئمة على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى والمجوس، واختلفوا فيمن لا كتاب له، ولا شبهة كتاب عبدة الأوثان من العرب والعجم، فقال أبو حنيفة - رحمه الله: يؤخذ من العجم منهم دون العرب، وقال مالك: تؤخذ من كل كافر عربيًا كان أو أعجميًا إلا مشركي قريش خاصة، وقال الشافعي وأحمد في أظهر روايته: لا تؤخذ الجزية من عبدة الأوثان مطلقًا، واستنبط المصنف هذه الترجمة