[٣٨٧٤ - فصل في كتاب الحاكم بسماع البينة من غير حكم]
إذا سمع الحاكمُ البيِّنة، ولم يحكم، وكتب إلى حاكم بلد الغائب بأنِّي قد سمعتُ على فلان بيِّنة عادلة، أو بيِّنة غير عادلة، ووكلتُ التعديلَ والحكمَ إليك، جاز، اتِّفاقًا، وهل ذلك قضاء، أو نقل للشهادة؟ فيه وجهان:
أحدُهما: أنَّه نقل؛ لاتِّفاقهم على اشتراط ذكر شهود الواقعة، وتعريفهم بغاية الإمكان، ولو كان حكمًا، لم يجب ذكرُهم، ولا يكفي أن يقول: سمعت بيِّنة توجبُ الحكمَ، وإنَّما اكتُفي في ذلك بالحاكم وحده؛ لرتبة الولاية، كما يقوم الرجلُ مقام امرأتين؛ لدرجة الذكورة.
والثاني: أنَّه حكم، ولو كان كالشهادة على الشهادة، لما اكتُفي بالحاكم وحده، ولا خلافَ في الاكتفاء به، ولأنَّ الحكمَ إظهارٌ لما يقرَّر من متَّبَع مُطاع غيرِ حائد عمَّا شرع، فقوله:(حكمتُ لفلان على فلان) معناه: ظهر لي وجوبُ حقِّه عليه، فإذا ظهرت له بيِّنة، فأظهرها، كان ذلك حكمًا منه بقيامها، وإنَّما وجب تعريفُ الشهود؛ لاختلاف العلماء فيمن تُقبل شهادته، فقد يردُّ المكتوبُ إليه شهادةً يقبلها الكاتبُ، ولو قيل: إنَّ السماعَ حكم مَشُوب بالنقل، أو نقل فيه شَوْب الحكم، لجاز، والأسدُّ أن يُجعل حكمًا بالنقل.
[٣٨٧٥ - فرع]
إذا جوَّزنا نصب قاضيين في بلد، فأخبر أحدُهما الآخرَ أنَّه سمع بيِّنة بحقٍّ، والتمس منه أن يحكمَ به، فحكم به مع حضور شهود الواقعة، فإن غلَّبنا الحكمَ نفَّذ الثاني حكمَ الأوَّل، وإن غلَّبنا النقلَ فلا بدَّ من إعادة الشهادة.