للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى اكتمل مع المتأخرين!!

فلا يزال حيران بين إيمانه المصدق أن ما أخبر به القرآن والسنة حق، وبين البدع التي تؤزه للتكذيب أزًّا .. فهوى يكذب، وقلب يصدق، وظلمات بعضها فوق بعض! ولن يُرزق الاطمئنان بالإيمان حتى يزَّكَّى من البدع بالسنن الأولى ..

وقد فصل الله تعالى كتابه إلى سور مباركة ميسرة للذكر، ثم جاء ناس فقسموه إلى أجزاء وأثمان بعدد الحروف (١)! وقالوا: هذا تقسيم أجود وبدعة حسنة! فقطع الآيات بعضها عن بعض واضطرب فهم الناشئة للقرآن .. والله المستعان.

ولو تكلم أحد اليوم في هذا لقال العالَم: غيرت السنة! وقد قيل لأحدهم يوما وبدأ التلاوة بقول الله تعالى (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) [الأنبياء ١٠١] وهو رأس الثمن: عمَّ أُبعِدوا؟ عن الحسنى؟ فلم يدر حتى قرأ ما قبلها (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) فلا بارك الله في البدع التي تعسر الانتفاع بعد أن يسر الله القرآن للذكر!

ولما ظهر التأليف انصرف الناس عن كتاب ربهم، وقرئت المثناة وهي ما استكتب دون كتاب الله من أقوام أرادوا نصح العباد، وترقيق القلوب (٢)، فصدوا عن السبيل، والقرآن والعمل العتيق خير لهم لو كانوا يعلمون!

ولما أحدث الناس - باسم البدعة الحسنة - في وقوت صلاتهم حساب الفلك كسَنَن اليونان قدموا وأخروا عن ميقات الله سنة رسوله .. أخروا الفطر وعجلوا السحور .. فشددوا على الخلق وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!

فكان ما قال النبي أنه لم يحدث الناس بدعة إلا أضاعوا ما هو خير منها من السنن! والله المستعان.

ثم ترى أصحاب "البدعة الحسنة" يزعمون في كل هذا أنه ليس نقصا، ولكنها بدع حسنة تزيد الإيمان والخير!! وصدقوا في فرحهم بها، لأن الذي يحيى مع الأعوام


(١) - مجموع الفتاوى لابن تيمية ١٣/ ٤٠٨
(٢) - حتى قالوا في مثل إحياء علوم الدين: " من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء "!! وإنما هذا شأن كتاب الله.

<<  <   >  >>