للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل صار الناس متفلتين من اتباع الكتاب والسنة إلا ما وافق الأسهل على النفوس، وصار الاتباع وطاعة الله ورسوله عندهم تشددا! فإذا بُهت أحدُهم بأمر الله ورسوله، ذهب يبحث في الأرض هل يجد رخصة من "عالم"! فالله المستعان (١). وعباد الرحمن الذين يرجون لقاءه يأخذون حكم الله مأخذ الافتقار إليه والمحبة، وهم به فرحون (والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه) [الرعد ٣٧]

فكان من شأنهم ما قال ابن سعد [الطبقات ٩١٨٦] أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال حدثني أبو سلمة عن مسلم الأعور عن إبراهيم قال: تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابري اه يريد المرجئة.

وإنما جاء النبي كما وصفه ربه مربيا ومزكيا أي منميا إيمان أصحابه إلى الأكمل لا سائرا مع النفوس في أغراضها (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [الجمعة ٢] ومن المقاصد العامة التي شرعت لها العزائم أن يكون العبد مترقيا في معارج العبودية ويزداد قوة في الدين وبصيرة في الأمر .. وحيث كانت مظنة المشقة المفضية إلى خلاف القصد فطرةً شُرعت الرخص لحفظ الدين من الضعف أو الزوال .. لذلك فالرخص إنما شرعت لتتميم القصد من العزائم.

وقد روى أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد [١٣١٩] عن سليمان التيمي قوله: لو أخذتَ برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. ورواه ابن عبد البر في الجامع [١٠٨٨] ثم قال: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا والحمد لله اه

وقد كانت كتب العلم أول الأمر تذكر أحاديث رسول الله مقرونة بآثار الصحابة كالموطأ والمصنف وكتب وكيع وسفيان وابن المبارك .. وكان الناس قبل انتشار التدوين يحفظون عن النبي وأهل العلم من أصحابه (٢)، يجمعون ما أمر


(١) - لذلك كان النظر في مآلات الفتوى واجب الاعتبار. الموافقات [٤/ ١٤٠]
(٢) - إعلام الموقعين ٤/ ١٥٢

<<  <   >  >>