للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصناع التفريط نُزلوا منزلة المستعير الراغب في المتاع، والمستعير ضامن لأنه كالمدين لصاحب المال، بخلاف الأمين فهو المحسن إلى صاحبه. ولو ضُمِّن صاحب المتاع في العارية لانقطع باب الإحسان. فلما ضَمَّنَ الصحابةُ الصناعَ كان لحفظ دِين الناس وإصلاح ذات بينهم .. قبل حفظ أموالهم.

ومتى اجتمع ما بابه الإحسان مع ما أصله المكايسة ودخل المعروفَ قصدُ الربح بطل العقد كما قال النبي : لا يحل سلف وبيع. [د ٣٥٠٦] ومتى غلب الإحسان وسع .. فقصد الشرع بقاء الإحسان واتساعه، وهو مقصد من المقاصد لا علة مفردة. فمن أدرك هذا فهم معنى قول النبي : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " أي في كل سنن المعاملات، فهذا الكلام كله بيان لمعنى في هذا الجامع من جوامع الكلم الكاملة.

لكن كثير من الناس يظن أن الشرع لما حرم الربا والغرر والغبن .. في البيوع وما أشبهها أن ذلك كان لقصد حفظ المال، وإنه لَقصدٌ أصيل، ولكنه ثان، تابع لحفظ دين العباد وأخلاقهم. وقد عاب الله تعالى على قوم كل معارفهم دنيا فقال (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) [الروم ٧] والآخرة عند الله تعالى أعظم وأكبر .. فكذاك ينبغي أن تكون عند عباده.

ولما كثر الخلاف في الناس نشأ من الأصاغر من يقول: كل مجتهد مصيب! ثم قال قائلهم: أتخير لكم من اختلافهم أيسره عليكم! وما كان التابعون من أصحاب النبي كابن عباس ومن دونهم يقولون إذا سئل أحدهم عن أمر: اختلف فيه ابن مسعود وأبي بن كعب وأختار لك الأسهل؟!

فلم يبرح أولئك يتَّبَّعون الرخص حتى ألفتها النفوس وشق فطامها، فنبتت أمة ضعيفة الدِّين. فتحوا لهم باب الربا يقترضون من البنوك، فانتعشت بفتاواهم المصارف الربوية وتغلغلت الربا في الأمة، بل وانتعش بها اقتصاد اليهود والنصارى في بلاد الكفر. فصارت أمة مثقوبة الجراب مغلولة بالديون، والله المستعان.

وأباحوا الاختلاط، والغناء والمعازف، ومصافحة الأجنبيات، ورخصوا في الاستمناء .. فاستولى على القلوب الشهوات، فأعظِم بها من بلية!!

<<  <   >  >>