وهي مكارم الأخلاق (١). فما كان مؤكِّدا لهذا المقصد حافظا وسعه الشرع وسهل إليه الطريق، وما كان مزاحما له أو خارما مناقضا منعه أو ضيقه بشروط تحفظه.
فلما كان القرض إحسانا يحقق الأخوة ويوجب المحبة والتعاون .. سهله الشرع ووضع قيودا ترفع الخصومة عند المظنة كالكتابة والإشهاد .. لكن إن دخله معنى المشاحة وخلا من الإحسان وهو الصرف (ربا الفضل) امتنع الأجل سدا للذريعة إلى الربا (ربا النَّساء) الموجبة للشحناء والتباغض.
وأباح الزيادة - إذا لم تشترط بوجه - عند قضاء الدين لأنها تزيد الإحسان إحسانا وتؤكد الأخوة، لكن إن اشترطها الدائن دخلها معنى المشاحة الموجبة للتباغض المنافية لمقصد تتميم مكارم الأخلاق فامتنع.
وأباح الجِعالة (الجائزة) لأنها تفضُّلٌ يوجب التواد ولو بجهالة، إذ هي بهذا المعنى أبلغ في التشويق، كما شوق الله تعالى عباده بقوله (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)[السجدة ١٧] وهو تفضل منه سبحانه وله المثل الأعلى. لكن إن دخلها معنى المشاحة بأن يكون كلاهما قاصدا للربح مشترطا لنفسه صارت إجارة فضبطها الشرع بما يمنع فساد ذات البين الناتج عن الغرر.
وهكذا كان التفريق بين "الضمان الاجتماعي" و"التأمين" سنة، أبيح الغرر في الأول لأنه إحسان ومعروف لا ينتظر المحسن على المال عائدة، وامتنع في التأمين لأنه معاوضة مبنية على المشاحة أفسدها الغرر.
وفرقت السنة في الضمان بين الوديعة والعارية، فالأمين من حيث الجملة لا يضمن، ولو ضُمِّن لانقطع باب الودائع وهو من مكارم الأخلاق، فوسع الشرع فسحته. ومن ضمَّن الصناع ونحوهم فلمعنى العارية لا الأمانة، أي لما ظهر في
(١) - روى كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا لا يبيعن حاضر لباد ولا تلقوا الركبان ببيع وأيما امرئ ابتاع شاة فوجدها مصراة فليردها وليرد معها صاعا من تمر ولا يسم أحدكم على سوم أخيه ولا يخطب على خطبته ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها فإن رزقها على الله عز و جل اه [ح ٩١٠٩]. [الذخيرة للقرافي ٥/ ٢٢٥].