في عقود المعاملات صور اختلف حكمها في الشرع على تشابهها في الظاهر: فقد أباح دراهم بدراهم إلى أجل في القرض، ومنعها في البيع مع أن كلا منهما مبادلة بنقدين نسيئة.
ومنع الزيادة في القرض إذا اشترطت، وأباحها عند القضاء إذ لم تشترط بل استحبها في قول النبي ﷺ: إن خيركم أحسنكم قضاء [خ ٢١٨٣] مع أن كلا منهما زيادة على الدَّين.
وأوجب - من حيث الجملة - تعيين أجرة الأجير قبل العمل درءا للجهالة، ولم يوجبه في الجِعالة مع أن كلا منهما عمل بمقابل.
وأباح لرب المال أن يربح مع شريكه العامل في القراض، وأسقط الضمان عن العامل من جهة، ومنع الربح في القرض وأوجب الضمان على المدين، مع أن كلا منهما إقراض لمال يعود لصاحبه بدلالة الاشتقاق بين القرض والقراض.
ومنع بيع الدَّين بالدين، وأباح الحوالة مع أنه في البيع إنما يحيل مبايعه على مدينه الأول فاشتركا في كونهما حوالة على دَين في ذمة طرف ثالث، إلا أن هذا بيع وذاك قرض.
وأوجب في السَلَم قبض الثمن في المجلس كاملا، وتعيينَ الأجل وغيرها من الشروط الرافعة للغرر. وأسقط هذه الشروط إذا كان جلب السلعة إحسانا بغير قصد ربح. مع أن كلا منهما جلب سلعة موصوفة. ونظائر هذا كثيرة جدا.
والنكتة أن ما قصد به المعروف والإحسان من العقود خفت شروطه كالقرض والهبة والجِعالة والنكاح وما شاكلها من مظان مكارم الأخلاق. وما كان مقصودا به المكايسة والربح شدد فيه الشروط كالبيع ومنه الصرف، والإجارة والشركة وما كان فيه قصد الربح والمشاحة بين المتعاقدين حفظا لمكارم الأخلاق (١).
فقصد الشرع الحكيم إن شاء الله الحفاظ على سلامة الصدور والأخوة في الدين
(١) - الفروق الفرق السادس والخمسون والمائة والفرق الخامس عشر والمائة. وإعلام الموقعين [٣/ ٨٣].