للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استحسنتها النفوس باسم البدعة الحسنة، ودكت حتى عابوا على من لم يلازمها، لاعتقادهم الكمال فيها! فاضطرهم ذلك إلى تمطيط الكلام في نكتة واحدة على سنة الروم الأعاجم! فخرجوا عن اللسان، وأزروا بما كان معهود خير الناس في البيان. ثم تكلف ناس تتبع الآيات ومناسباتها طلبا "للوحدة الموضوعية" في السور، يريدون دفع الشك عن كلام الله لماَّ اعتقدوا الكمال في ما أحدثوا، لكنهم في الريب أسقطوا جِبِلاًّ كثيرا!! كذلك لا تجد في بدعة إلا ظَلْعاً، وإن ظنها راكبها جيادا مسومة (١) ..

وهذه خطب النبي وأصحابه (٢)، وقبلها أشعار العرب سنتهم الجارية فيها ألا يتقيدوا بنكتة واحدة يطيلون الكلام فيها، بل الفصاحة والبيان العربي التلفظ بما قل ودل، والاغتباط بجوامع الكلم. ولعمرُ الله إن التمام والحكمة والبركة في كلام الله الذي نزل بلسان عربي مبين صالح للناس إلى يوم الدين.

ولو قلنا إنا لا يسعنا مع الناس لتبلد أذهاننا وعجمة ألسنتنا إلا توحيد الموضوع والحشو في كلامنا لكان أعذر لنا من أن ننكر السنة واللسان!!


(١) - راجع ما قال الشوكاني في فتح القدير ينكر بدعة ما سمي "مناسبات الآي" تحت الآية ٣٩ من سورة البقرة.
(٢) - كخطبة حجة الوداع [م ٣٠٠٩]، وما روى مسلم [١٢٨٦] أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله وذكر أبا بكر. قال: إني رأيت كأن ديكا نقرني ثلاث نقرات وإني لا أراه إلا حضور أجلي. وإن أقواما يأمرونني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه ، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض وإني قد علمت أن أقواما يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال. ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء. وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن. ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار وإني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم ويقسموا فيهم فيئهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم. ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا اه

<<  <   >  >>