إلا يظنون) [البقرة ٧٨] ولئن كان علماؤهم شهد الله لهم أنهم (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)[البقرة ١٤٦] لما عاينوا النبي، وليس لهم سند متصل إلى نبي من أنبيائهم إلا البلاغات المظلمة والوجادات، فكيف لا يفيد العلمَ الأسانيدُ الصحيحة إلى علماء الصحابة وصريح البيان العربي وهو الدين المحفوظ!
وتالله لو خالفهم أحد إلى كلماتهم في كتب الأصول والكلام فحكَّم فيها طرائق نظرهم، لما استقام لهم فيها شيء، فكل كلمة لأحدهم في كتابه، يجري عليها ما أجروه في كلام الله ورسوله من الاحتمال. فأكثر ألفاظهم ومصطلحاتهم ظواهر، والنص عزيز .. وأكثر زُبُرهم برواية الآحاد لم تبلغ حد التواتر .. ويجوز أن يكون مصنِّفه تراجع عن بعض ما كتب فيها، ويكون له قول جديد ناسخ وقديم منسوخ .. أو يجوز أن يكون من روى كتاب الشيخ من أصحابه لم يقف على المتأخر من تعليقاته وشرحه لمصنَّفه في مجالسه .. أو أن من شرح كلامه من أصحابه بعده لم يصب الفهم عنه ففسر كلامه على غير قصده .. فلو طردت ما أدخلوه من الاحتمال على كلام الله ورسوله في كلامهم أنفسهم لم يستقم لهم شيء .. وما من مُصَنِّف إلا وقد فرغ من كتابه وهو يُرى أنه بين مقاصده بيانا لا يترك لذي شبهة يعرفها وليجة .. فكيف يجيزون ذلك في كلام الله وكلام رسوله ﷺ! أم أنهم يرون اليقين وحسن البيان في عباراتهم دون كلام الله ورسوله ﷺ! اللهم غَفرا (١).
وقد كان من سنة النبي ﷺ في بيان صفات ربه للناس أن يذكر ما أوحي إليه بأفصح لفظ وأدله على المعنى، ثم يثبته بالإشارة دون خوض في التفاصيل، يمرها كما جاءت، ولا يجمعها في سياق واحد على طريقة القرآن في البيان ..
كما روى مسلم [٧٢٢٩] عن عبيد الله بن مِقسَم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله ﷺ قال: يأخذ الله ﷿ سمواته وأرضيه بيديه فيقول: أنا الله - ويقبض أصابعه ويبسطها - أنا الملك. حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله ﷺ؟!
(١) - تفقد كتاب ذم الكلام وأهله للهروي أبي إسماعيل ﵀.