للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخصيصه ومخصصه!! والعرب لا تعرف خنزير الماء (١)، وليس تطلق اللفظ إلا على البري المعروف، فالعموم على لسانها محكم. وإنما طرأ هذا الفهم زمان المولدين أبناء سبايا الأمم، لما دخل في العلم من كان لهم عهد بأنواع حيتان البحر ويسمون بعضها في لغتهم بالخنزير والكلب للشبه (٢)، فلما دخلوا في العربية دخلوا بمعارفهم (ثقافتهم) فسموه خنزيرا على ما جرى في لسانهم .. ثم قالوا: الآية عامة في تحريم كل خنزير (ولحمُ الخنزير) [المائدة ٣]، وآية البحر عامة في كل صيد البحر وطعامه (أحل لكم صيد البحر وطعامه) [المائدة ٩٦] فرأوا العمومين متعارضين، وترددوا في التخصيص والترجيح (٣) .. وإنما هي العجمة كما قال عمر: هلاك العرب إذا بلغ أبناء بنات فارس اه

فصار ورثة فارس والروم إذا احتج أحدهم بالعموم فإنما يأخذه على إغماض لضعف دلالته عنده! وهو أكثر لسان العرب، وبه نزل القرآن وكان الحديث. فضعف اليقين في معاني كلام الله ورسوله! وهم يقرؤون أنه منزل بلسان عربي مبين، وأن النبي أعطي جوامع الكلم، وما علموا أن ما انتحلوا كان عند العرب عجمة وفهاهة .. فلما طلبوا الحكمة عند اليونان خالفوا الحكمة حكمة القرآن، وأُورثوا شكا واختلافا كثيرا!

فصاروا بذلك على سَنن أُمِّيِّي أهلِ الكتاب الذين لا يعلمون من الكتاب إلا تلاوة لحروفه وظنا، قال ربنا تعالى شأنه (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم


(١) - قال ابن القاسم [المدونة ١/ ٥٣٧]: ولقد سألنا مالكا عن خنزير الماء فلم يكن يجيبنا فيه، ويقول أنتم تقولون خنزير اه أي أحدثتم له هذا الاسم.
(٢) - قال ابن حبان في الأطعمة من صحيحه: ذكر البيان بأن العرب كانت تسمي ما قذفه البحر حوتا وإن لم يكن يشبه خلقته خلقة الحوت اه ثم احتج بقصة سرية أبي عبيدة [٥٢٦٢] وفيها: فإذا حوت مثل الظرب اه
(٣) - ومثله اختلاف الناس في لفظ الإهاب من الحديث: إذا دبغ الإهاب فقد طهر اه [م ٨٣٨] هل يتناول جلود السباع فيخصص؟ وقد قال الترمذي [تحت ١٧٢٨]: وقال إسحق قال النضر بن شميل: إنما يقال الإهاب لجلد ما يؤكل لحمه اه [الأوسط لابن المنذر كتاب الدباغ، جماع أبواب جلود السباع]

<<  <   >  >>