للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مضى بعضه.

والنكتة فيها أن الروم لهم ولع بتفكيك الألفاظ، كل لفظ ما يفهم منه وحده في وضعه مفردا، لذلك قالوا بالمجاز، بخلاف العرب لا عهد لها بهذا التشقيق، ولكن كل لفظ في سياقه، لذلك تسمي الجملة التامة كلمة كما قال تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) [آل عمران ٦٤] وقوله سبحانه (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) [الزخرف ٢٨] فكل هذا كلمة واحدة، لأن اللفظ لا يدل وحده حتى يكون في سياقه، ويدخل في السياق إشارات اليد والوجه (١) ..

ولما سلك الأصوليون مسلك اليونان ونظروا في اللفظ مفردا صار "ظاهرا" غير "نص" فشكوا وحاروا، كما حارت الفلاسفة من قبل، وإنما هم مبتدعة في دين أنبيائهم، وإنها السُّنن! ولئن سميناه ظاهرا فهو الذي لا خفاء به ولا لَبس فيه، فالله تعالى ظاهر سبحانه، لا تحتاج إلى دليل.

ولما أحدث القياس العقلي في اللغة صار يفهم "العموم" في القرآن والسنة على ما يعطيه العقل في ذوق اليونان لا ما جرى في استعمال العرب أهل البيان، فخاضوا في التخصيص بالعادة والعقل والحس .. حتى زعموا "بالاستقراء"! أن كل عموم مخصوص أو يحتمل أن يدخل عليه ما جوزوا من التخصيص (٢)، واختلفوا هل العموم بعد ثبوت تخصيصه مجاز في الباقي؟!

وهذا مثل لفظ الخنزير جعلوه شاملا في الآية لخنزير البحر (٣)، ثم اختلفوا في


(١) - كما روى الترمذي [٢٥٠٢] عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله إن صفية امرأة، وقالت بيدها هكذا كأنها تعني قصيرة فقال: لقد مَزجتِ بكلمة لو مَزجتِ بها ماء البحر لمزج! اه فكانت الكلمة التي قالتها شيئا تلفظت به وإشارة يد عيرت صفية بها، كل ذلك هو الكلمة.
(٢) - الموافقات المسألة الثانية والثالثة من مباحث العموم.
(٣) - قال الجصاص [أحكام القرآن ١/ ١٥٤]: ظاهر قوله (ولحم الخنزير) موجب لحظر جميع ما يكون منه في البر وفي الماء لشمول الاسم له الخ. غفر الله لهم.

<<  <   >  >>