عليكم وتكونوا شهداء على الناس) [الحج ٧٨] فمن لم يشهدوا له بالعلم فليس هناك، وإن استدل فإنما هو المتشابه، وشهادتهم أن يأتي الآخرون بشاهد من آثارهم.
لذلك كان العلم عند الناس بعدُ هو ما كان عليه الأولون، كما روي عن سعيد بن جبير: ما لم يعرف البدريون فليس من الدين. [جامع بيان العلم ٧٤٥] وقال ابن رشد [البيان والتحصيل ١٨/ ٥٢٣] قال مالك ﵀: العلم الذي هو العلم معرفة السنن، والأمر المعروف الماضي المعمول به اه وهذا يشبه ما رواه عن نافع عن ابن عمر قال: العلم ثلاثة: كتاب ناطق وسنة ماضية ولا أدري اه رواه الخطيب [الفقيه والمتفقه ١١٠٦] فالسنة الماضية هي العمل العتيق الذي مضى في الناس قبل. وقال ابن عبد البر [جامع بيان العلم ٢/ ١٠٣] وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم قال: سئل مالك قيل له: لمن تجوز الفتوى؟ فقال: لا تجوز الفتوى إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه، قيل له: اختلاف أهل الرأي. قال: لا! اختلاف أصحاب محمد ﷺ وعلم الناسخ والمنسوخ من القرآن، ومن حديث الرسول ﵇ وكذا يفتي اه
وروى أبو عمر [الجامع ٧٤٠] بسنده عن الأوزاعي قال: العلم ما جاء عن أصحاب محمد وما لم يجئ عن واحد منهم فليس بعلم اه وروى البيهقي [المدخل ١٧٤] عن عبد الله بن المبارك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إنما العلم كله العلم بالآثار اه (١) وقال ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل [١/ ٤] حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعي يقول قال لي محمد بن الحسن: أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم؟ يعني أبا حنيفة ومالك بن أنس قلت: على الإنصاف؟ قال: نعم. قلت: فأنشدك الله من أعلم بالقرآن صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: صاحبكم يعني مالكا. قلت فمن أعلم بالسنة صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله ﷺ والمتقدمين صاحبنا أو صاحبكم؟ قال: صاحبكم، قال الشافعي: فقلت: لم يبق إلا القياس، والقياس لا
(١) - وروى الخطيب [الجامع لأخلاق الراوي ١٧٥] بسنده عن ثابت بن محمد سمعت الثوري يقول: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل اه إيذان بأنه لم يبق من العلم بعد الأثر شيء.