للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسياق مختلف لفظه موتفق معناه .. وقال سبحانه في خبر آدم وعدوه (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) [الأعراف ٢١] وأخبر عن المعنى نفسه في سورة طه فقال (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) [١٢٠] والخبر واحد .. وهذا في القرآن كثير، لأنه لسان العرب (١). فمن تأمله علم أن الرواية بالمعنى الذي فهموا كانت فيهم الأمر الكاثر، وأن ما ذهبوا إليه مع الحديث هو السنة، وهذا دين محفوظ. وبه تعلم أن تلك البدعة مآلها إلى رد الدين من أصله، وقاتل الله الحرورية، لم تزل بدعتهم في مضي مذ أحدثوها ..

وأيضا فإن طائفة من البيان النبوي لم تنقل لتعذر نقله وهو قرائن الأحوال (٢)، وهي من أصرح الأدلة في بيان المقصود، فإن للإشارة بالكف أو البصر أو لحن الصوت عند الكلام دلالةً وقوةً .. من شهدها ليس كمن سمع عنها، وليس الخبر كالمعاينة ..

وقد استدل ناس لرد هذا المعنى بقول النبي : فرب مبلَّغ أوعى من سامع [خ ١٦٥٤] وهو مما يزيده قوة، فرُبَّ في لسان العرب للتقليل، أي أحيانا يكون الذي يبلغه الخبر أفهم للمعنى من السامع، فيدل على أن الأصل في السامع أنه أفهم للكلام ممن بلغه. وهذه الكلمة قالها النبي في حَجته التي جمعت آلاف الخلق، وكان منهم من لم ير النبي إلا يومه، فربما سمع منه الكلمة فيضعها على غير مراده، فأرشدهم إلى التثبت بالأفقه .. فليس الحديث في فقهاء الصحابة، أنه قد يعزب عنهم معنى يدركه من بعدهم!!

فأما من صحب النبي فالدلالة على القصد قريبة، ثم لما كان الموالي حدث لهم


(١) - الموافقات المسألة الرابعة من مباحث قصد الإفهام من كتاب المقاصد.
(٢) - قال الشاطبي: .. وأنهم شاهدوا من أسباب التكاليف وقرائن أحوالها ما لم يشاهد من بعدهم، ونقل قرائن الأحوال على ما هي عليه كالمتعذر، فلا بد من القول بأن فهمهم في الشريعة أتم وأحرى بالتقديم .. الخ. الموافقات، المسألة الحادية عشرة من مباحث البيان والإجمال من كتاب الأدلة.

<<  <   >  >>