للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمعافاة في اتباع السنة التي سلكوا.

وإنما ضل الخوارج لأنهم ردوا هذا الأصل، فقد خرجوا على الصحابة في الفهم والاتباع، وقبلوا منهم الرواية! فتصرفوا من تلقاء أنفسهم دون الرجوع إلى العلماء لذلك صدق فيهم فراسة ابن مسعود وقال: إن رسول الله حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سَلِمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج اه وقال لهم قبلُ: وَيْحَكُمْ يا أمة محمد! ما أسرع هلكَتَكم! هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون اه أي هلا رجعتم إليهم فاتبعتموهم. فهذه أول بدعتهم أنهم خرجوا عليهم بالنظر في وجوه التدين، ثم خرجوا عليهم بالسيف.

ومن لم يرض بفهمهم بدعوى جواز الخطأ في الفهم لزمه رد ما رووا عن النبي بالمعنى لأنه فهم الراوي. ومن ذلك أمور كانت من رسول الله لم ينقلها العلماء الأمناء من أصحابه مثل ألفاظ اللعان في قصة العجلاني، لم يذكروا كيف لفظ النبي في أمرهما باللعان، ولا كيف لفظ تبايعه ونكاحه وإنكاحه وإيلائه .. ونحو ذلك، مما يدل على أنهم فهموا من رسول الله أنه لم يسن فيها شيئا مؤقتا، وهذا كله مما فهم الصحابي.

والرواية بالمعنى سنة العرب في لسانها، وبه نزل القرآن وجرى في حديث رسول الله ثم ورثه الراسخون في العلم من أصحابه، فلا غرو أن يرووا لنا بالمعنى الذي أُفهموا. وإذا اعتبرت ما قص الله علينا من أنباء الذين خلوا وجدت الشواهد تأتيك تترا، قال الله تعالى شأنه في قصة موسى (قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى) الآية [طه ٢٠] وقال في سورة النمل (وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب) الآية [١٠] فهي قصة واحدة بألفاظ مختلفة، وفي أخبار موسى نظائر. كذلك قوله سبحانه في خبر إبراهيم (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) الآية [هود ٦٩] وقال في سورة الذاريات (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين) الآية [٢٦]. كذلك في سورة إبراهيم نحوها

<<  <   >  >>