أحصينا ما فيه من تراجم فوجدناها حوالي ثمانين ترجمة. ولكننا نبادر إلى القول إن الفكون لا يترجم للأشخاص بالطريقة المعتادة من ذكر الميلاد والوفاة والشيوخ والوظائف والتلاميذ والتآليف والكرامات والمناقب ونحو ذلك. إنه لا يتبع هذه الطريقة على الإطلاق، بل إنه يتناول أحوال الأشخاص فيصفهم فيما كانوا عليه، في نظره، من الصلاح أو الطلاح، ويتحدث عن نشاطهم الاجتماعي وعلاقاتهم مع بعضهم ومع السلطة ومع الناس، ويخبر عن عقائدهم وأطماعهم وتنافسهم في الخير والشر، وعن قوتهم وضعفهم أمام المغريات السياسية والمالية والشيطانية، وعن نشاطهم العلمي إذا كانوا من العلماء وعن نشاطهم الصوفي إذا كانوا من المتصوفة، وعن مغامراتهم إذا كانوا من المغامرين، وهكذا. فالفكون إذن لا يترجم لأهل القرنين السابقين ولكنه يسجل عنهم انطباعاته وانطباعات من عرفوهم إذا كان لم يرهم، وكثيرا ما يترك مكان الوفيات بياضا، أما تواريخ الميلاد فقليلا ما تذكر، لأن ذلك لم يكن هدفه أصلا.
وقد اختلفت هذه الانطباعات طولا وقصرا وعمقا. فبعض أحاديثه تطول وتتعمق حتى تصل عدة صفحات، وبعض أحاديثه تكون من القصر بحيث لا تتجاوز السطور. ولكنه مع ذلك يضع فيها من المعاني ما يكفي لمجلد , وقد يستطرد فيدمج الحديث عن شخص ما أثناء الحديث عن شخصية رئيسية أخرى. وقد يذكر مجموعة من الأخبار في الخبر الأساسي. وقد يصرح حتى كأنه يرمي هدفه بسهامه النارية، وقد يكتفي بالتلميح حتى كأنه يقول لنا عليكم بإكمال الباقي وفهم الواقع وربط الحالات