وقد شبه بعضهم مجيء الله بقوله: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩] أي: الموقن به من الموت وما بعده.
قلت: هذا مثل قوله: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ [النازعات: ٣٤]، وقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ﴾ [عبس: ٣٣]، وقوله: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨]، وجعل في ذلك هو ظهوره وتجليه.
قلت: وليس هو مجرد ظهوره وتجليه، وإن كان متضمنا لذلك؛ بل هو متضمن لحركة العبد إليه، ثم إن كان ساكنا كان مجيئه من لوازم مجيء العبد إليه، وإن كان فيه حركة كان مجيئه بنفسه أيضًا، وإن كان العبد ذاهبا إليه، وهكذا مجيء اليقين ومجيء الساعة، وفي جانب الربوبية يكون بكشف حجب ليست متصلة بالعبد، كما قال النبي ﷺ:"حجابه النور -أو النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه"، فهي حجب تحجب العباد عن الإدراك، كما قد يحجب الغمام والسقوف عنهم الشمس والقمر، فإذا زالت تجلّت الشمس والقمر، وأما حجبها لله عن أن يَرى ويُدركَ فهذا لا يقوله مسلم؛ فإن الله لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وهو يرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة السوداء، ولكن يحجب أن تصل أنواره إلى مخلوقاته، كما قال:"لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه"، فالبصر يدرك الخلق كلهم، وأما السبحات فهي محجوبة بحجابه النور أو النار.
والجهمية لا تثبت له حجبا أصلا؛ لأنه عندهم ليس فوق العرش، ويروون الأثر المكذوب عن علي: أنه سمع قصابا يحلف: لا والذي احتجب بسبع سماوات، فعلاه بالدرة، فقال: يا أمير المؤمنين، أكفر عن يميني؟ قال: لا؛ ولكنك حلفت بغير الله.
فهذا لا يعرف له إسناد، ولو ثبت كان عليّ قد فهم من المتكلم أنه