للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنى أنه محتجب عن إدراكه لخلقه، فهذا باطل قطعا؛ بخلاف احتجابه عن إدراك خلقه له) (١).

وقال ابن القيم: (والذي عندي أن الرحمة لما كانت من صفات الله تعالى، وصفاته قائمة بذاته، فإذا كانت قريبة من المحسنين، فهو سبحانه قريب منهم قطعا، وقد بينا أنه سبحانه قريب من أهل الإحسان، ومن أهل سؤاله بإجابته.

ويوضح ذلك أن الإحسان يقتضي قرب العبد من ربه، فيقرب ربه منه لما يقرب إليه بإحسانه يقرب تعالى إليه، فإنه من تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا، ومن تقرب منه ذراعا تقرب منه باعا، فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته قربا ليس له نظير، وهو مع ذلك فوق سماواته على عرشه، كما أنه سبحانه يقرب من عباده في آخر الليل وهو على عرشه، ويدنو من أهل عرفة عشية عرفة، وهو على عرشه، فإن علوه سبحانه على سماواته من لوازم ذاته، فلا يكون قط إلا عاليا ولا يكون فوقه شيء البتة، كما قال أعلم الخلق به: "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء".

وهو سبحانه قريب في علوه، عال في قربه، كما في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال: كنا في سفر مع النبي فارتفعت أصواتنا بالتكبير، فقال: "أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" فأخبرهم وهو أعلم الخلق به أنه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، وأخبر أنه فوق سماواته، على عرشه، مطلع على خلقه، يرى أعمالهم، ويعلم ما في بواطنهم، وهذا حق لا يناقض أحدهما الآخر.


(١) "مجموع الفتاوى" (٦/ ٥ - ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>