للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا فما روي من قرب الرب إلى خواص عباده وتجليه لقلوبهم كما في "الزهد" لأحمد: أن موسى قال: يا رب، أين أجدك؟ قال: "عند المنكسرة قلوبهم من أجلي، أقترب إليها كل يوم شبرا، ولولا ذلك لاحترقت".

هذا القرب عند المتفلسفة والجهمية هو مجرد ظهوره وتجليه لقلب العبد فهو قرب المثال، ثم المتفلسفة لا تثبت حركة الروح والجهمية تسلم جواز حركة الروح إلى مكان عال، وأما أهل السنة فعندهم مع التجلي والظهور تقرب ذات العبد إلى ذات ربه، وفي جواز دنو ذات الله القولان، وقد بسطت هذا في غير هذا الموضع.

وعلى مذهب النفاة من المتكلمة لا يكون إتيان الرب ومجيئه ونزوله إلا تجليه وظهوره لعبده، إذا ارتفعت الحجب المتصلة بالعبد المانعة من المشاهدة الباطنة أو الظاهرة، بمنزلة الذي كان أعمى أو أعمش فزال عماه فرأى الشمس والقمر، فيقول: جاءني الشمس والقمر.

وهذا قول النفاة من المتفلسفة والمعتزلة والأشعرية؛ لكن الأشعرية يثبتون من الرؤية ما لا يثبته المعتزلة، ومنهم من يوافقهم في المعنى الذي قصدوه.

وأما على مذهب أهل السنة والجماعة من السلف، وأهل الحديث، وأهل المعرفة، ومن اتبعهم من الفقهاء والصوفية والعامة وأهل الكلام أيضًا؛ فإن نزوله وإتيانه ومجيئه قد يكون بحركة من العبد، وقرب منه، ودنو إليه، وهو قدر زائد على انكشاف بصيرة العبد، فإن هذا علم، وعندهم يكون ذلك بعلم من العبد وبعمل منه، فهو كشف وعمل.

ولا ينكر الأشعرية ونحوهم من أهل الكلام أن يكون من العبد حركة، فإن ذلك ممكن، وإنما قد ينكرون حركته إلى الله كما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>