الشاهدُ في البيت الأخيرِ، وأنشَدَ الأوّلَ لِيُرِيَ أنَّ القوافِي منصوبةُ، فلذلك أضطُرَّ إلى إعمال الفِعلِ الأوّل وهو (نَرَى) فنَصَبَ به (الخُرُدَ الخِدالَ).
وَصَفَ منزلًا، يقول: لمّا أَلْمَمْتُ به ذَكَرْتُ مَنْ كُنتُ عَهِدْتُهُ فيه، فَرَدّ عليَّ مِن الهَوَى ما قد سَلَوْتُ عَنْه، والعَميدُ: الشَديدُ البالغُ وأصلُه مِن عَمِدَ البَعيرُ، إذا تَشَدَّخ سَنَامُهُ من داخِلِه، وأنَّتَ ضَميرَ المنزلِ في قوله: (نَغْنَى بها)، لأنَّه في معنى الدارِ والمنزلة، والعُصورُ: الدُهورُ، ونَصْبُها على الظَرفِ، ومعنى يَقْتَدْنَنا: يَمِلْنَ بنا إلى الصِبا ويَقُدْنَنا نَحْوَه، وواحدةُ الخُرُدِ خريدَةُ وهي الخَفِرَةُ الحَيوِيُةُ، والخِدالُ: جَمعُ خَدْلَةٍ وهي الغَليظةُ الساقِ الناعمةُ، ومعنى نَغْنَى نُقِيمُ، وقد تَقَدّمَ تَفسيرُهُ (١٨٩).
< وأنشَدَ في الباب لامرِئ القيس (١٩٠) في مِثْلِه: >
[٦٦] فَلَو أنَّ ما أَسْعَى لأدْنَى مَعِيشَةٍ … كَفَاني ولم أَطْلُبْ قَليلٌ مِنَ المالٍ
أرادَ كَفَاني قليلٌ مِنَ المالِ ولم أطلُب المُلْكَ وعليه معنى الشِعر، ولو أَعْمَلْ الثاني ونَصَبَ به القليلَ لفَسدَ (١٩١) المعنى.
وَصَفَ بُعْدَ هِمَّتِهِ فيقول: لو كانَ سَعْيِي في الدُنيا لأدْنَى حَظٍّ منها لكَفَتْني (١٩٢) البَّلْغَةُ من العيشِ ولم أتَجَشَّمْ ما أتَجَشَّمُ.
وأنشد في بابٍ ترجَمَتْهُ: هذا بابُ ما يكونُ الاسمُ فيه مَبنيًّا على الفِعلِ قُدِّمَ أو
أُخِّرَ، لبِشْرِ بن أبي خازِم الأسدي (١٩٣):
[٦٧] فَأَمّا تَميمٌ تَميمُ بنُ مُرٍّ … فأَلْفاهُمُ القَومُ رَوْبَى نِيَاما
(١٨٩) ينظر الشاهد (٦٣).
(١٩٠) الكتاب ١/ ٤١، ديوانُهُ ٣٩، وامرؤ القيس بنُ حُجْر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل الحرار، وهو أشهر شعراء العربية. (الشعر والشعراه: ١٠٥، الأغاني ٩/ ٧٦، الخزانة ١/ ١٦٠).
(١٩١) في ط: فصد.
(١٩٢) في ط: كَفَتْنِي.
(١٩٣) الكتاب ١/ ٤٢، ديوانه: ١٩٠، وبِشر شاعِرٌ جاهليٌّ قديمٌ من بني أسدٍ. (الشعر والشعراء: ٢٧٠، الخزانة ٢/ ٣٦٣).