وَصَفَه بقوله: باتَ الليلَ لم يَنَم.
والمعنى على مذهب سيبويه أنَّه وَصَف حمارًا وأُتْنًا نَظَرَتْ إلى بَرقٍ مُستطير دالٍّ على الغَيْثِ يُكِلُّ المَوْهِنَ بُروقُه (٢٥٦) وتَوالي لمعانِه كما يقال: أُتْعَبْتَ لَيْلَك، أي: سِرتَ فيه سيرًا حَثيثًا مُتْعِبًا مُتواليًا، والمَوْهِنُ: وقتٌ من الليلِ، فشَآها ذلك البَرقُ أي: ساقَها وأزْعَجَها من [موضعها إلى الموضع الذي كان منه البرقُ] (٢٥٧)، فباتَتْ طَرِبَةً إليه مُنْتقِلَةً نَحْوَه.
وفَعلٌ في معنى مُفْعِلٍ موجودٌ كثيرًا، يقال: بَصيرٌ بمعنى مُبْصِرٍ، وعذابٌ أليمٌ بمعنى مؤلمٍ، وداعٍ سَميعٌ بمعنى مُسْمِعٍ، كما قال عمرو بن معد يكرب (٢٥٨):
أَمِنْ رَيْحانَةَ الداعي السمِيعُ
أي: المُسْمِعُ، وكذلك كَلِيلٌ في معنى مُكِلٍّ، وإذا كانَ بمعناه عَمِلَ عَمَلَهُ لأنّه مُغَيَّرٌ منه للتكثير كما تَقَدَّمَ.
وأنشد في الباب للكُمَيت (٢٥٩):
[٩١] شُمٌّ مَهَاوِينٌ أَبْدانَ الجَزورِ مَخَا … مِيصُ العَشِيّاتِ لا خُورٌ ولا قُزُمُ
الشاهد [في] نَصْبِ أَبْدانِ الجَزورِ بقوله: مَهَاوِين، لأنَّه جَمعُ بهْوانٍ، ومِهْوانٌ تكثيرُ مُهِينٍ كما كانَ مِنْحارٌ ومِضْرابٌ تكثيرَ ناحِرٍ وضاربٍ، فَعَمِلَ الجَمعُ عَمَلَ واحِدِه كما تَقَدَّمَ.
وَصَفَ قَومًا بالعِزَّةِ والكَرَمِ فيقول: هم شُمُّ الأنوفِ أعِزّةٌ، فَجَعَلَ الشَمَمَ كِنايةً
(٢٥٦) في الأصل: بدويه، واخترنا ما ورد في ط.
(٢٥٧) في الأصل: إلى شِقِّ مَهَبّهِ، واخترنا ما ورد في ط.
(٢٥٨) ديوانه ١٣٦، وعجزه:
يُؤرِّقُني وأصحابي هُجوعُ
(٢٥٩) الكتاب ١/ ٥٩، شعره: ٢/ ١/ ١٠٤، والكميتُ بنُ زَيدٍ الأسديُّ شاعِرٌ عاش في العصر الأموي، وكانَ علويّ الهوى. (طبقات فحول الشعراء: ٣١٨، الشعر والشعراء: ٥٨١، معجم الشعراء ٢٣٨، الخزانة ١/ ٦٩).