للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يروي له". فهو يرى أن العناية بالسند وحده لا تكفي، وأنه لابد لنا أن نتجاوز هذا النقد الخارجي إلى نقد داخلي، "نقصد يتناول النص الشعري نفسه في لفظه ومعناه ونحوه وعروضه وقافيته". ولكنه بعد آرائه في الأدب الجاهلي وبخاصة لغته، يستدرك على هذا المقياس، فيقول: "ولكنه مع الأسف الشديد ليس يسيرًا ولا منتجًا بالقياس إلى الشعر الجاهلي. فنحن لا نستطيع أن نقول في يقين أو ترجيح علمي، إن هذا النص ملائم من الوجهة اللغوية للعصر الجاهلي أو غير ملائم؛ لأن لغة هذا العصر الجاهلي لم تضبط ضبطًا تاريخيًّا ولا علميًّا صحيحًا". ونتيجة لعدم رضاه عن هذا المقياس يسأل قائلًا: "فكيف السبيل إلى تمييز الصحيح من غيره؟ " ثم يجيب بقوله: "هنالك مذهب خداع يذهبه القدماء والمحدثون في تحقيق الشعر الجاهلي، وخلاصته النظر إلى الألفاظ التي يأتلف منها الشعر؛ فإن كانت متينة رصينة كثيرة الغريب قيل إن الشعر جاهلي، وإن كانت سهلة لينة مألوفة قيل إن الشعر مصنوع". ويحلل هذا المذهب بأنه قائم على البداوة والحضارة وأثرهما في الأدب، ويتحدث عن مدى انطباق ذلك على كل من عدي بن زيد، والنابغة الذبياني، والمنخل اليشكري، والأعشى، ثم يسأل بعد ذلك:"أفترى أن نقبل من هذا الشعر ما صلب واشتد فنصححه، ونرفض منه ما سهل ولان؟ " ويستمر فيقول: "وقد يمكن أن يقبل هذا لولا أن في الأمر نظرًا يدعو إلى الوقوف والتردد والاحتياط؛ فلا ينبغي أن يؤخذ الغريب الصعب على أنه صحيح لغرابته وصعوبته، ولا أن يؤخذ اللين السهل على أنه منحول لسهولته ولينه؛ ذلك لأن الغرابة قد تكون متكلفة، وقد يتكلفها الراوي أو العالم، ويتخذها وسيلة إلى خداع العلماء والمتأدبين". ويزيد على ذلك بأن الغرابة قد وجدت في العصر الأموي في رجز رؤبة والعجاج وشعر ذي الرمة، وهنا يسأل فيقول: "أفترى أن رجز رؤبة والعجاج وذي الرمة يجب أن يكون جاهليا لا لشيء إلا أنه غريب اللفظ، مسرف في شدة المتن وقوة الأسر؟ " ويستمر قائلًا: "وما لنا نعرض لرؤبة والعجاج، والقرآن نفسه بين أيدينا نستطيع أن نقرأه وننظر فيه؛ فسنرى أنه على شدة متنه وقوة أسره يسير سهل قليل الغريب بالقياس إلى الشعر الجاهلي. ونحن نستطيع أن نقرأ السورة الطويلة من سوره فنفهمها من الوجهة اللغوية دون أن نحتاج احتياجًا شديدًا إلى المعاجم، أفترى أن سهولة القرآن ويسر ألفاظه وقربه من الأفهام تترك مجالًا للشك في صحة نسبته إلى العصر الذي تلي فيه؟ " وينتهي من ذلك إلى أنه "لا ينبغي أن تتخذ غرابة اللفظ دليلًا على الصحة والقدم، ولا ينبغي أن تتخذ سهولة اللفظ دليلًا على النحل

<<  <   >  >>