للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في العصر الجاهلي، بقدر ما تحمل في طياتها من صور لهذا العصر.

حقيقة، يمكن الاعتماد على مثل هذه النصوص في تصوير الحياة واللغة للعرب في الجاهلية، ولكنها لا يمكن الاعتماد عليها في تصوير نفسية الأديب الذي تنسب إليه وفنه، لأنها إذا لم تكن في الحقيقة والواقع لمن نسبت إليه فلن تكون معبرة عن شخصيته وميوله واتجاهاته، ومن ثم تكون الصورة التي تعطيها هذه النصوص لمن تنسب إليه غير مطابقة للحقيقة، ولذلك عند البحث في تراجم الأدباء وفنهم الأدبي، يجب أن نعتمد على ما ثبت بالدليل القاطع أنه لهم -ولو من راوية واحد- ما دام هذا الراوية مشهودًا له بالصدق والأمانة والنزاهة.

وبعد، فما المقياس الذي ينبغي أن نتخذه للحكم على أي نص جاهلي بالأصالة أو الانتحال، وأنه جدير بالقبول أو الرفض، ومستحق للدراسة أو الإهمال؟.

يرى الأستاذ أحمد أمين: أن النصوص الجاهلية ينبغي أن "نمتحنها من ناحيتين: من ناحية السند، أي الرواة الذين رووا الحادثة أو الحديث؛ ومن ناحية المتن، أي المنقول نفسه، فإذا كانت الناحيتان صحيحتين، وجب علينا أن نصدق ما قيل، حتى يظهر وجه للنقد جديد ... فإذا كان الراوي كاذبًا، أو ليس بثقة لم نعتمد على ما روى، وكذلك إذا قام برهان على ضعف المتن، كأن يتشبب شاعر بموضع ثبت تاريخيًّا أنه لم يذهب إليه، ولم يكن له به علاقة، أو نحو ذلك. فإذا لم يكن شيء من هذين صح الاستدلال بالشعر المروي، فالثقات مثلًا ضعفوا ما يروي ابن إسحاق من الشعر. وطعنوا في حماد الراوية وخلف الأحمر، فلندع ما يرويه هؤلاء إن لم يشاركهم غيرهم من الثقات في روايته، ولكنهم وثقوا أبا عمرو بن العلاء، والأصمعي، وأمثالهم، فلنأخذ بما رووا، ما لم يقم دليل من ضعف المتن على كذبه".

وواضح من هذا أن الأستاذ أحمد أمين يرى أن نقتدي بعلماء الحديث، فقد ساروا على هذا المقياس، حينما أخذوا يدرسون الأحاديث النبوية الشريفة.

ويعالج الدكتور طه حسين هذا الموضوع من عدة وجوه، فيقول إن "تصحيح السند وحده لا يكفي، فقد يكون الراوي صادقًا مأمونًا محتاطًا، ولكنه يخدع مع ذلك عن نفسه وعما


٩٧ فجر الإسلام، ص٥٠.
٩٨ في الأدب الجاهلي ص٢٥٦ وما بعدها.

<<  <   >  >>