أما الاعتذار فكان قليلًا في شعرهم، ويأتي عادة لإظهار الندم على فعل حدث. أو حال وقعت، ويريد المعتذر أن يبرئ نفسه، لينجو من اللوم، أو يحاول إصلاح الحال، بتفسير أو شرح معقول لها، لكي يرجع الأمور إلى مجراها العادي، وقد ورد في هذا الغرض أبيات لكثير من الشعراء، ولكنه لم يحتل مكانًا هامًّا في شعر كل منهم. وقد حللنا هذه الظاهرة من الناحية الحربية في شعر الحرب. ولم يكن لأحد من الشعراء الجاهليين باع في الاعتذار إلا النابغة الذبياني، فقد أسهب فيه، فاشتهر به، حتى قيل عنه أضاف إلى الشعر فنًّا جديدًا. ويقصدون بذلك فن الاعتذار. كأنه لم يكن موجودًا عند شعراء العرب قبل النابغة الذبياني. وحقيقة لقد أتى فيه النابغة بمعانٍ رائعة، وصورة شعرية جميلة. وكان النابغة يفد إلى المناذرة في الحيرة، وعلى الغساسنة في الشام، ويمدحهم، فيحسنون وفادته ويكرمونه، وكان أكثر ما يفد إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وكان النعمان يقربه حتى جعله نديمه. وظل زمانا لا يفد على الغساسنة، لما كان بينهم وبين المناذرة من التباغض، إلى أن وشى به الواشون إلى النعمان، فغضب النعمان عليه وتوعده، فهرب النابغة إلى قومه في نجد، ثم شخص إلى الغساسنة في الشام ومدحهم. وظل مقيمًا عندهم وفي نفسه استرضاء النعمان، والعودة إلى الحيرة، حتى تمكن من ذلك بواسطة اثنين من بني فزارة. فعاد إلى النعمان، وقدم له اعتذارياته المشهورة.