للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صحيحه وأصيله، وقد حفظ لنا مما دونوه كثير من المجموعات والدواوين، وعلى هذا المحفوظ من التراث الأدبي الجاهلي المقطوع بصحته -مع نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف- أسس الباحثون في اللغة والأدب علومهم مثل النحو والصرف واللغة، ومن هذه النصوص الأدبية الخالدة استخرج الباحثون البحور والأوزان، وكتبوا في علم العروض والقوافي والبلاغة والنقد الأدبي.

أما ما ثبت وضعه واختلاقه بالدليل القاطع، وقد سبق أن أشرنا إليه، مثل ما ينسب من شعر إلى آدم، وعاد، وثمود، وطسم، وجديس، وغير ذلك، فهذا واضح أمره، وخارج عن دائرة البحث، إذ ليس له إلا أن يضرب به عرض الحائط، ووجود مثل هذه النصوص المزيفة في الأدب الجاهلي لا ينبغي أن يكون سببًا للطعن في أصالة الأدب الجاهلي، ورفضه كله، بل الرفض يجب ألا ينصب إلا على الزائف وحده.

وأما هذه النصوص التي قطع الرواة والعلماء والنقاد والثقات بصحتها وأصالتها فيجب أن تكون موضع احترام، وأن نعتبرها مصدرًا هامًّا نعتمد عليه في تصوير الحياة الجاهلية، وفي تمثيل اللغة العربية في العصر الجاهلي تمثيلًا صادقًا صحيحًا.

بل يمكننا، في تصوير حال العرب واللغة العربية في العصر الجاهلي، تصويرًا دقيقًا، أن نعتمد على نصوص الأدب الجاهلي، ولو كان فيها نصوص مختلفة ومدسوسة التبست بالأصيلة الصحيحة؛ ذلك لأن الذين اختلقوا هذه النصوص ونسبوها إلى الجاهليين، كانوا -ولا بد- يعرفون هذا العصر معرفة تامة، بل كانوا أعرف الناس به، وبحال الأدباء فيه، وبالألفاظ والتراكيب التي كانت شائعة ومستعملة في هذا العصر، وبطرق التعبير الأدبي، والتصوير الفني، والأساليب والتقاليد التي كان يحافظ عليها الأدباء الجاهليون، وينسجون على منوالها، ولا بد، وكذلك أنهم كانوا أقدر الناس على اتباع أساليب الأدباء الجاهليين وتقاليدهم، كأنهم يعيشون في زمنهم وبيئتهم. فكانت لديهم المهارة الفائقة التي استطاعوا بها أن يختلقوا نصوصًا تطابق نصوص الجاهليين الأدبية مطابقة تامة من جميع الوجوه، حتى التبست على النقاد والأدباء والعلماء أصحاب الفطنة والخبرة والذوق الممتاز، وهم كانوا يعرفون ما كان آباؤهم الأقدمون يترسمون في نسجهم الأدبي، فما دام هؤلاء النقاد والعلماء قد قبلوا نصوصًا هذا شأنها؛ لأنهم لم يجدوا فيها أية ظاهرة، ولو تافهة، توحي باختلاقها أو تثير عندهم أدنى شك فيها، فلنا حينئذ أن نعتمد عليها -كنص أدبي جاهلي- في تصوير حالة العرب واللغة العربية

<<  <   >  >>