والمعنى: وأما الراسخون فيقولون؛ وذلك على أن المراد بالمتشابه: ما استأثر به الله تعالى بعلمه (١) ومن تخلف التفصيل قولك: أما زيد فمنطلق (٢).
وأما الثاني:(٣) فذكره الزمخشري فقال: "أما" حرف يعطي الكلام فضل توكيد؛ تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب، قلت: أما زيد فذاهب (٤)، وزعم أن ذلك مستخرج من كلام سيبويه (٥).
وهي نائبة عن أداة شرط وجملته، ولهذا تؤول "بمهما يكن من شيء"(٦)، ولا بد من
(١) قال السعد: والحق أنه إن أريد بالمتشابه ما لا سبيل إليه للمخلوق فينبغي الوقف على "إلا الله" وإن أريد به ما لا يتضح؛ بحيث يتناول المجمل والمؤول، فالحق العطف.
(٢) قيل: يحتمل أنه للتفصيل، والقسيم محذوف للعلم به، أي: وأما غيره فهو ليس كذلك.
وقد يكون التفصيل مقدرًا تدل عليه القرائن ويوحي به السياق؛ نحو: الناس معادن، فأما أنفسها فالصادق الأمين؛ أي: وأما أرخصها فالكاذب الخائن.
(٣) أي: المعنى الثاني وهو التوكيد.
(٤) إيضاح التوكيد: أن "إما"؛ قائمة مقام "مهما يكن من شيء" أي: مهما يوجد شيء فزيد ذاهب، فقد علق الذهاب على وجود شيء ما، ووجود شيء ما محقق؛ لأن الدنيا لا تخلو من وجود شيء، والمعلق على المحقق محقق، وإذا فلا بد من المعلق عليه، وهو: ذهاب زيد. وهذا الإيضاح يبين أن "ما" للتوكيد، وأنها في معنى الشرط وقائمة مقام اسم الشرط؛ بحيث يصح حذف "كما" ووضع "مهما يكن من شيء" موضعها، ولا يفسد المعنى ولا التركيب.
(٥) فإن سيبويه فسر "أما" بهما يكن من شيء. ويقال في إعراب هذا التركيب:"مهما" اسم شرط جازم مبتدأ. "يكن" فعل مضارع مجزوم؛ لأنه فعل الشرط. "من شيء": "من" زائدة وشيء فاعل يكن على اعتبارها تامة، واسمها على اعتبارها ناقصة وخبرها محذوف؛ أي: موجودًا. وجواب الشرط ما يكون بعد هذه الجملة مقترنا بالفاء والجملة خبر مهما.
(٦) ويقال في إعرابها: "أما" نائبة عن مهما يكن من شيء، ولا تعرب اسم شرط أو فعل شرط، ولا تؤدي معناهما؛ لأنها حرف، والحرف لا يؤدي معنى اسم أو فعل.