للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائل: فإذا ثبت بما ذكرته أن التشديد في "فم" عارض ليس من أصل الكلمة؛ فمن أين أتاها هذا التشديد؟ وكيف وجه دخوله إياها؟

فالجواب: أن أصل ذلك أنهم ثقلوا الميم في الوقف؛ فقالوا: هذا فم، كما يقولون: هذا خالد، وهو يجعل، ثم إنهم أجروا الوصل مجرى الوقف، فقالوا: هذا فم، ورأيت فمًا، كما أجروا الوصل مجرى الوقف في ما حكاه سيبويه عنهم من قولهم ثلاثة أربعة، وكما أنشده من قول الراجز١:

ضخمًا يحب الخلق الأضخما٢

وكما أنشدناه أبو علي:

ببازل وجناء أو عيهل ... كأن مهواها على الكلكل٣

يريد: العيهل والكلكل، وقد مضى نظير هذا؛ فهذا حكم تشديد الميم عندي، وهو أقوى من أن تجعل الكلمة من ذوات التضعيف بمنزلة هم، وجم.

فإن قلت: فإذا كان أصل "فم" عندك "فوه" فما تقول في قول الفرزدق أنشدناه أبو علي٤:

هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح العوي أشد رجام٥


١ نسبه صاحب الكتاب "١/ ١١"، واللسان مادة "ضخم" إلى رؤبة.
٢ البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "فوه" "١٣/ ٥٢٦"، دون أن ينسبه، ثم ذكره في مادة "ضخم" ونسبه إلى رؤبة. "١٢/ ٣٥٣".
٣ وجناء: عظيمة الوجنتين، والوجنة ما ارتفع من الخدين. القاموس المحيط "٤/ ٢٧٤".
الكلكل: الصدر: أو هو ما بين الترقوتين، والكلكل والكلكال: الصدر. القاموس "٤/ ٤٦" والبيت ذمره صاحب اللسان في مادة "فوه" دون أن ينسبه. "١٣/ ٥٢٦".
٤ ذكر أبو علي أن البيت يروى للفرزدق وهو في ديوانه "ص٧٧١".
وانظر/ الكتاب "٣/ ٣٦٥، ٦٢٢".
٥ نفث: نفثًا ونفاثًا: أي نفخ، ونفث الشيء من فيه أي رمى به، نفث فلانًا سحره والنفاثات والنفث أقل من التفل. القاموس المحيط "١/ ١٧٥".
النايح: نيح: نيحًا، نياحًا: صات، ونيح عليه أي: صات عليه، والنايح والنياح ضخم الصوت الشديد. القاموس المحيط "١/ ٢٥٤".
العاوي: عوى الكلب والذئب: صاح صياحًا شديدًا ممدودًا ليس بنباح؛ فهو عاو وعواء.
رجام: "م" الرجم، والرجم الحجارة التي توضع على القبر "ج" رجام، أرجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>