للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما صحفه أيضًا قولهم في المثل، "يا حامل اذكر حلًا" كذا رواه "يا حامل" وإنما هو "يا حابل اذكر حلا"١ أي: يا من يشد الحبل اذكر وقت حله.

وذاكرت بنوادره شيخنا أبا علي؛ فرأيته غير راضٍ بها، وكان يكاد يصلي بنوادر أبي زيد إعظامًا لها، وقال لي وقت قراءتي إياها عليه: "ليس فيها حرف إلا ولأبي زيد تحته غرض ما" وهي كذلك، لأنها محشوة بالنكت والأسرار.

واعلم أن اللام في نحو قولهم: جئت لأكرمك، وقوله تعالي: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: ١] ٢، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] ٣، إنما هي حرف جر، وليست من خصائص الأفعال كلام الأمر، ولام القسم وغيرهما؛ وإنما الفعل بعدها منصوب ب "أن" مضمرة، والتقدير: جئت لأن أكرمك، فـ "أن" والفعل بعدها في تقدير المصدر، والمصدر اسم، فكأنه قال: جئت لإكرامك.

وقد زيدت اللام الجارة مؤكدة للإضافة نحو قولهم "لا أبا لك"، و"لا يدي لك بالظلم" أي: لا أباك، و: لا يديك، ونحو قول النابغة:

قالت بنو عامر: خالوا بني أسد ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام٤

أي: يا بؤس الجهل.


١ ذكر المثل ابن منظور "١١/ ١٣٤" مادة/ حبل، وتروى أيضًا: "يا عاقد اذكر حلًا".
٢ الشاهد فيها: فتح اللام في قوله تعالى: "لَيغفر".
٣ سبق الحديث عنها.
٤ البيت للنابغة الذبياني، وعثر عليه في ديوانه "ص/ ٢٨٨".
بنو عامر: قبيلة عامر.
بني أسد: قبيلة أسد.
خالوا: فعل أمر أي اتركوا وتخلوا، وهو أسلوب أمر يدل على التهديد والوعيد.
يا بؤس: أسلوب إنشائي غرضة الذم.
ضرارًا: صيغة مبالغة تدل على كثرة وتعدد الضرر الذي يحدث نتيجة للجهل، وما يسببه الجهل من ضرر لأقوام كثيرة.
الشاهد فيه: قوله "للجهل"، والتقدير: يابؤس الجهل، حيث زادت اللام فأصبحت للجهل.
إعراب الشاهد: للجهل: اللام حرف جر زائد مبني لا محل له من الإعراب، يدخل على الاسم فيعمل فيه الجر، الجهل: اسم مجرور بحرف الجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>