للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالجواب: أن "العصف" في البيت "لا يجوز أن يكون مجرورا إلا بالكاف، وإن كانت زائدة، يدلك على ذلك أن الكاف في كل موضع تقع فيه زائدة، لا تكون إلا جارة، كما أن من وجميع حروف الجر في أي موضع وقعن زوائد، فلا بد من أن يجررن ما بعدهن كقولك: ما جاءني من أحد، ولست بقائم، فكذلك الكاف في مثل "كعصف" هي الجارة للعصف، وإن كانت زائدة على ما تقدم.

فإن قيل: فإذا جررت العصف بالكاف، فإلام أضفت مثلا؟ وما الذي جررت به؟

فالجواب أن "مثلا" وإن لم تكن مضافة في اللفظ، فإنها مضافة في المعنى، وجارة لما هي مضافة إليه في التقدير، وذلك أن التقدير: فصيروا مثل عصف مأكول. فلما جاءت الكاف تولت هي جر العصف، وبقيت مثل غير جارة ولا مضافة في اللفظ، وكان احتمال هذه الحال في الاسم المضاف أسوغ١ منه في الحرف الجار، وذلك لأنا لا نجد حرفا جارا معلقا غير عامل في اللفظ، وقد نجد بعض الاسماء معلقا عن الإضافة، جارا في المعنى غير جار في اللفظ، وذلك نحو قولهم: جئت قبل وبعد. وقام زيد ليس غير، وقد قالوا أيضا:

يا من رأى عارضا أسر به ... بين ذارعي وجبهة الأسد٢

أي بين ذراعي الأسد وجبهته، وجئت قبل كذا وبعد كذا، وقام زيد ليس غيره.


١ أسوغ: أكثر قبولا: مادة "س وغ". اللسان "٣/ ٢١٢٥".
٢ البيت ينسب للفرزدق وهو أبو فراس همام بن غالب التميمي الدرامي، من أفخر الشعراء الأمويين وأجزل المقدمين في الفخر والمدح والهجاء، ولد سنة ١٩هـ، ونشأ بالبصرة والبادية، ومات سنة ١١٤هـ.
العارض: السحاب المعترض في جو السماء، وفي القرآن {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} .
أسر به: أي أفرح به. مادة "س ر ر" اللسان "٣/ ١٩٩٢".
ذراعي وجبهة الأسد: من منزل الكواكب، حيث أن الذراعين أربعة كواكب كل اثنين منها يكونان ذراع، والجبهة أيضا أربعة كواكب.
الشاهد فيه: حذف المضاف إليه مع وجود ما يدل على المضاف إليه، والتقدير بين ذراعي الأسد وجبهته.
إعراب الشاهد:
بين: مفعول فيه منصوب بالمفعولية. ذراعي: مضاف إليه مجرور.
و: حرف عطف مبني لا محل له من الإعراب يفيد الاشتراك في الحكم.
جبهة: معطوف مجرور بالتبعية.
الأسد: مضاف إليه مجرور بالإضافة.

<<  <  ج: ص:  >  >>