للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

هذي دِيَارُ مُلُوكٍ دبَّرُوا زَمَنًا … أَمْرَ البِلادِ وكانوا سادَةَ العَرَبِ

عَصَى الزَّمانُ عَلَيْهم بَعْدَ طاعَتِهِ … فانْظُرْ إلى فِعْلِهِ بالجوسقِ الخرب

وبزكُوار وبِالمُخْتَارِ قَدْ خَلَتا … مِنْ ذلك العزّ والسّلْطانِ والرُّتَبِ (١)

سُمِّيَتْ المدينة مختارَةً؛ لأنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَارَها من جَمْيعِ الأرْضِ لِمُهَاجَرِ خَير الخَلْقِ وحبيبه في خِيرَته، واخْتَارها مَضْجَعًا لِجَسَدِه الكَرِيمُ بَعْدَ وفاته - صلى الله عليه وسلم -.

المُؤْمِنَةُ: الإيمانُ لُغَةً: التَّصْدِيق، والإيمان - أيضًا - الإدخال في الأمْنِ والأمانِ، فَإِنْ كانَت بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ يحتمل فيها وجهان:

الأول: أنْ تُجْعَلَ على الحَقِيقَةِ وأنَّها هي مُصَدِّقةٌ بالله تعالى، مُؤمنَةٌ مُطِيعَةٌ كسائِر المُؤمِنين مِنْ ذوي العُقُولِ، قال تعالى: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (٢) وقال عَزَّ وَجَلَّ: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} (٣) وقَدْ سَبَّح الحَصَى في كفِّه - صلى الله عليه وسلم -، فلا غرْو أَنْ يَخْلُقَ الله تعالى في الجماد قوة قابِلَة للتَّصْدِيق والتكذْيبِ ونَحْوِ ذلك، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "نَهران مُؤْمِنَان، ونَهران كافِرَان، أمَّا المُؤمنانِ فالنِّيلُ والفُرَات، وأمَّا الكافِرَان فَدِجْلَةُ ونَهْرُ بلخ" (٤).

وإلى هذا ذهب كَثْيرٌ مِنَ العارِفين وَأَهْلِ التَّحْقِيقِ.

والثاني: أن يُحْمَلَ على المَجَازِ، وأنَّ المُرَاد بِها اتِّصَافُ أَهْلها بِصِفَةِ الإيمان، وأنَّ الإيمان مِنْهَا ظَهر وعنها انْتَشَر، وإِنْ كان بِمَعْنَى التَّصْدِيق فَيحتمل وجْهَيْن أَيْضًا.

ويقال: إنَّها سَمَّاها الله بِهذا الاسْم في الكتب السَّالِفَة.


(١) المصدر السابق ٥/ ٧٠ - ٧١.
(٢) سورة (فصلت) آية ١١.
(٣) سورة (سبأ) آية ١٠.
(٤) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج أوله الخطيب في تاريخ بغداد من عدة روايات بألفاظ مختلفة. ١/ ٥٤ - ٥٨.