قال: وسَمِعْتُه يَوْمًا يُنْشد: [من البسيط]
لا تُخْدعنّ الأمَانِي بالمَواعِيْدِ … وكَلِّفِ العَزْمَ رَمْيَ البِيْدِ بالبِيْدِ
فالجَدُّ ما صَافَحتْ بالمُدْلجين بها … أيْدي النَّجائب هَامَات القراديْد
فقُلتُ: لَمن هَذا؟ فقال: للخَيْشِيّ يَمْدَحُ بها نَصْر بن مَحْمُود يقُولُ فيها:
صَاحَتْ بهَامِ العِدَى والضَّرْبُ يَحْرسُهُمْ … نَصْرٌ منَ اللهِ يا نَصْرُ بن مَحْمُودِ
نَقَلْتُ من خطِّ أبي المظَفَّر أُسامَة بن مُرْشِد بن عليّ بن مُنْقِذ، وأخْبَرَنا بهِ أبو الحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن عليّ عنهُ، إجَازَةً، قال: ومن شُعَرَاءِ الشَّام الأَمِيرُ المُهَنَّدُ أبو نَصْر أحْمَدُ بن عُبَيْد اللّه الأسَدِيُّ المعرُوفُ بالخيشِيِّ، وهو شَاعِرٌ مجُيْدٌ، عَجيبُ الأُسْلُوب، طَويْلُ النَّفَسِ، يَخْرُج من حَسَن إلى حسن، وكان يَبْسُط لسَانَهُ بالهَجْو سِرًّا، ويَتَرفَّعُ عنهُ ظَاهِراً؛ فمن شِعْره يَمْدَحُ ضِيَاءَ الدَّوْلَةِ أبا عليّ حَسَن بن مَنيع قَصِيدَةً أوَّلها: [من الكامل]
كَم بينَ غَيْطَلَ في الهَوَى ومَعَان … من أَرْبُعٍ أشْتَاقُها ومَغَانِ
فارَقْتُها والقلبُ في عَرَصَاتِها … مُستوطِنٌ فأنا البعيدُ الدَّاني
لولَا غرامٌ لي جريتُ بحُكمِها … لَثَني إليها الاشْتِيَاقُ عِنَاني
عَجَبًا لصَبْري واشْتِيَاقي كُلّما اعـ … ـتَلَجا بقلبي كيف يَتَّفِقَانِ
إنّي لأَنْأَى مُرْغَمًا وكذاكَ مَنْ … لا يبْلُغُ الأوْطارَ في الأوْطَانِ
وأصُدُّ عن شُرْب النَّميْر على الظَّمَا … والذُّلُّ فيه تعِلَّةُ الظَّمْآنِ
لا خَيْر في أرْضٍ ولا قَوْم معًا … لا يَعرفونَ بها شَرِيْفَ مَكَانِ
ومنها:
وإذا الرّجال غدَتْ عليّ قلوبُهُم … قَلْبًا تفِيْضُ بجمَّةِ الأضْغانِ
وَلَّيْتُ أطْرافَ العوَالي متْحَها … في نَزْحها عِوَضًا من الأَشْطَانِ