للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنِّعَاج من البَقَر، وانَّما عنِّي بهذا دَاوُد لأنَّهُ كانت له تِسْعٌ وتسْعُون امْرأة، {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} (١): امْرأةٌ واحدةٌ، {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} (٢): ضُمَّها (a) إليَّ واجْعَلنِي كَافلها، وهو الّذي يعُولها ويُنْفق عليها، والمَعْنَى: طَلِّقها لأتَزَوَّجها {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} (٣)، قال عَطَاءٌ عن ابن عبَّاسٍ: كان أعزَّ منِّي وأقْوَى على مُخَاطبتي؛ لأنَّهُ كان المَلِك. والمَعْنَى: أنَّهُ كان أقْدَر على الخِطَاب لعزَّة (b) مُلْكه، وهذه القِصَّة تَمَثَّل لأمْر دَاوُد مع أُوْرِيَّا زَوْج المَرْأةِ الّتي أرادَ أنْ يتَزَوَّج بها، فقال دَاوُد: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} (٤) أي: بسُؤَالِهِ نَعْجتكَ ليَضُمَّها إلى نعَاجِه، أي: إنْ كان الأمْرُ على ما تَقُول، فقد ظَلَمك أخُوكَ بما كَلَّفَكَ من تَحَوّلك عن امْرأتك ليتزَّوجها هو، {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} (٥) وهم الشُّرَكاءُ؛ يُريدُ أنَّ الشُّرَكاء كَثِيْرٌ منهم يَظْلِم بَعْضُهم بَعْضًا، وهو قَوْلهُ: {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (٦)، وظَنَّ دَاوُد أنَّهما شَرِيكان، فلذلك قال: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ} (٧).

قال المُفَسِّرون: فلمَّا قَضَى بينهما دَاوُد، نَظَر أحَدُهما إلى صَاحِبه فضَحِكَ، وصَعدَ إلى السَّماء، فعَلم دَاوُد أنَّ اللَّه ابْتَلاهُ، وأنَّ ما ذَكَرا (c) من القِصَّة تَمْثِيل لقصَّته، وهو قَوْلهُ: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} (٨) أي: أيْقَن وعَلِمَ أنَّا ابْتَلينَاهُ بما وَقَع له من القِصَّة ونَظره إلى المَرْأةِ وافْتِتَانه بهِا، وكان قد أُعْجبَ بعبَادته فلمَّا ابْتُلى بها هوِيَها وقال لزَوْجها: تحوَّل لي عنها، فعُوْتِبَ على مَحَبَّته امْرأةَ مَنْ له امْرأة واحدة وله تِسْعٌ وتسعُون امرأةً، فكان ذلك ذَنْبًا من ذُنُوب الأنْبِياءِ الّتي يُعَاتبُون عليها وذلك


(a) الواحدي: ضعها.
(b) الواحدي: بعزَّة.
(c) الواحدي: ذِكْر، وفي بعض نسخه: ذكراه.

<<  <  ج: ص:  >  >>