للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليْلَهُ، فقال له الرَّسُولُ: والله إنِّي لأعْلَم أنِّي أذْهَبُ بكَ إلى مَنْ يقتُلك، فاذْهَب أىَّ الطَّريق شِئْتَ، فقال له سَعيد: إنَّهُ سيبْلغُ الحَجَّاج أنَّك أخَذْتَني، وإنْ خلَّيت عنِّي خفْتُ أنْ يَقْتُلَكَ. قال: اذهَبْ بي إليه، فذَهَبَ به، فلمَّا دَخَلَ قال له الحَجَّاجُ: ما اسْمُكَ؟ قال: سَعيد بنُ جُبَيْر، فقال: شَقِيُّ بن كُسَيْر، فمَال: أُمِّى سَمَّتْني، قال: شَقِيْتَ، قال: الغَيْبُ يَعْلمه غيرُكَ، قال الحَجَّاجُ: أمَا والله لأُبَدِّلنكَ من دُنْياك نارًا تَلَظَّى، قال: لو عَلمْتُ أنَّ ذلك إليكَ ما اتَّخَذْتُ إلهًا غيرك. فسَألَهُ عن رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصْحَابهِ إلى أنْ قال: ما تقُول فيَّ؟ قال: أنْتَ بنَفْسكَ أعْلَم، قال: بُثَّ فيَّ عِلْمكَ، قال: إذًا أَسُوؤكَ ولا أسُرُّكَ، قال: بُثَّ. قال: نعم، ظَهَرَ منك جَوْرٌ في حَدِّ الله، وجُرْأةٌ على مَعَاصِيهِ بقَتْلك أوْلِيَاء الله عزَّ وجلَّ، قال: والله لأُقَطِّعنَّكَ قطَعًا، قال: إذًا تُفْسد علىَّ دُنْيايَ وأُفْسِدُ عليك آخِرَتكَ، والقِصَاصُ أمَامَكَ، قال: الوَيْلُ لك (a)، قال: الوَيْلُ لمَنْ زُحْزِحَ عن الجَنَّة وأُدْخِل النَّار، قال: اذْهَبُوا به فاضْربُوا عُنُقه. قال سَعِيد: فإنِّي أشْهَدُ أنْ لا إلَه إلَّا الله، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه، فلمَّا ذَهَبُوا به ليُقْتَل تَبَسَّم، فقال الحَجَّاجُ: مِمَّ ضَحِكْتَ؟ قال: من جُرْأتِكَ على اللهِ عزَّ وجلَّ، قال: أضْجِعُوه للذَّبْح، فأُضْجِعَ، فقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (١). فقال: أقْلبُوا ظَهْره إلى القِبْلَة، فقَرَأ سَعِيدٌ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (٢)، فقال: كُبُّوهُ على وَجْهِهِ، فقرأ سَعِيدٌ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (٣)، فذُبِحَ. فبلَغ ذلك الحَسَن، فقال: اللَّهُمَّ يا قاصِمَ الجَبَابِرَهَ اقْصِمِ الحَجَّاجَ. فما بقيَ إلَّا ثلاثًا؛ وقَعَ في جَوْفه الدُّوْدُ فمات.


(a) مرآة الزمان: الويل لك من الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>