للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسَمِعَ الأشْعَثُ بن قَيْسٍ صَارخًا من أعْلَى حِصْنِهِم في شَعْراء من اللَّيْل: [من الرجز]

عَشِيرة تملك بالعَشيْرَه … في حَائطٍ يَجْمَعُها كالصِّيْرَه

والمُسْلمُون كاللُّيُوث الزِّيْره … قَبَائِلٌ أقلُّها كَثِيْره

فيها أميرٌ من بني المُغِيرَه

فلمَّا سَمِعَ الأشْعَثُ الصَّارخ (a) إلى ما قد رأى من اخْتِلَاف أصْحَابه بادَرَهُم فخرَج من تحت لَيْلَته حتَّى أتى المُهاجِر وزيادًا، فسألهما أنْ يُؤْمناهُ على دَمِهِ ومالهِ حتَّى يُبْلِغاهُ أبا بَكْرٍ فيَرَى فيه رأيَهُ، ويفْتَح لهم باب الحِصْن ففَعَلا، وفتح (b) لهم بابَ الحِصْن، فدَخَل المُسْلمُون على أهْل الحِصْن فاسْتَنْزَلُوهم (c) فضربُوا أعْنَاقهم، واسْتَاقُوا أمْوَالهم، واسْتَبَوا نسَاءهم، وكَتَبُوا إلى أبي بَكْر بذلك، واسْتَوْثَقُوا من الأشْعَث حتَّى بَعثُوا به إلى أبي بَكْر في الحَدِيْد مُوثقًا، فقال له أبو بَكْر: كيف تَرَى صَنِيْع اللَّه بمَن نقضَ عَهْدَه؟ فقال الأشْعَثُ: أرَى أنَّهُ قد أخْطأ حَظَّهُ، وتَعِس جَدُّه، فقال له أبو بَكْر: فما تأمرني فيك؟ قال: آمُرُكَ أنْ تَمُنَّ عليَّ فتفكَّني من الحَدِيْد وتَزوِّجني أُخْتَك أُمّ فَرْوَة ابنة أبي قُحَافَة، ففَعَل أبو بَكْر، فقال الأشْعَثُ حين زوَّجه أبو بَكْر (١): [من الطويل]

لعَمْرِي وما عَمْرِي عليَّ بهَيِّنٍ … لقد كُنتُ بالإخْوَان (d) جِدّ ضَنِينِ

أُحاذر أنْ تضْرَب هناك رُؤوسُهم … وما الدَّهْرُ عندي بعدها بأَمِيْن

فلَيْتَ جُنُوبَ النَّاسِ تحتَ جنُوبهم … ولم تَرم أُنْثى بعْدَهُم بجَنِيْن


(a) ب: الصارخة.
(b) في الأصل: ويفتح، وصوبه ابن العديم في الهامش بالمثبت، وورد في ب صحيحًا.
(c) في الأصل مجودًا: فاستَزلُّوهم، ومثله في ب دون ضبط.
(d) ب: بالأخول.

<<  <  ج: ص:  >  >>