اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، يُطيعُونَه ويُؤدُّونَ إليه صَدَقَاتهم لا يُنازعونَهُ، فلمَّا تُوفِّي رسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، وبلَغَهُم انتقاضُ مَنْ انْتَقض من العَرَب، ارتدُّوا وانْتَقَضُوا بزياد بن لَبِيْد.
وكان سَبَبُ انْتقاضِهم به أنَّ زيادًا أخَذَ فيما يأخُذُ من الصَّدَقَة قَلُوصًا لغُلَامٍ من كِنْدَة، وكانت كَوْمَاءَ من خِيَار إبلِهِ، فلمَّا أخَذَها زِيَادٌ فعَقَلَها في إبل الصَّدقَة ووَسَمَها، جَزِعَ الغُلَام من ذلك، فخرَجَ يَصِيْحُ إلى حَارِثَةَ بن سُرَاقَة بن مَعْدِي كَرْب، فقال: أُخِذَتِ الفُلَانيَّةُ في إبل الصَّدَقَة، فأُنْشدُكَ اللَّهَ والرَّحِم، فإنَّها أكْرَمُ إبلي عَليَّ بَعِيْرًا وأعزَّهُ، فخَرَج معه حَارِثَةُ حتَّى أتى زيادًا فطَلَبَ إليه أنْ يَرُدُّها عليه ويأخُذَ مكانها بَعِيْرًا، فأبَى عليه زِيَاد، وكان رَجُلًا صُلْبًا مُسْلِمًا، وخَشِي أنْ يَرَوا ذلك منه ضَعْفًا وخَورًا للحَدِيْث الّذي كان، فقال: ما كُنت لأرُدُّها وقد وَسَمْتُها في إبل الصَّدَقَة، ووقَع عليها حَقُّ اللَّه عزَّ وجلَّ، فراجَعَهُ حَارِثَةُ فأبَى، فلمَّا رأى ذلك حَارِثَةُ قام إلى القَلُوص فحلَّ عقَالَها ثمّ ضَرَبَ وَجْهَها فقال: دُوْنَك وقَلُوْصَكَ، لصاحبها، وهو يَرْتَجِزُ ويقول:[من الرجز]
يَمْنَعُها شَيْخ بخَدَّيهِ الشَّيْبُ … قد لَمَّع الوَجْهَ كتَلْمِيع الثَّوب
اليَوْم لا أخْلطُ بالعِلْم الرَّيْب … وليس في مَنْعِي حَريمي من عَيْب
وقال حَارِثَةُ بن سُرَاقَة الكِنْدِيّ:[من الطويل]
أطَعْنَا رسُول اللَّهِ ما دامَ وسْطَنا … فيا لعِبَادِ اللَّه ما لأبي بَكْرِ