الّذي فيه تَاجُ العُلَى، وكان في بُرْج من أبْرِجَةِ (a) آمِد، فدُللتُ عليه، فجئتُ إليه واجْتَمَعْتُ بهِ، ثُمّ عُدْتُ إلى مكاني الّذي نَزَلْت فيه خارجَ البَلَدِ، ولبسْت ثِيَابي، وأخَذْتُ غِلْمَاني، ودَخَلْتُ آمِد، فاسْتَحْضَرَني صاحبُها، فأدَّيْتُ إليه رِسَالة المَلِك الظَّاهِر وما قالَهُ من الشَّفَاعَةِ فيه، فقال لي صَاحِبُ آمِد: ما لي به عِلْمٌ منْذُ سَجَنَهُ ضِيَاء الدِّين ابن شَيْخ السَّلَّامِيَّة، فقُلتُ لَهُ: السَّاعَةَ كُنْتُ عنده، وهو مَحْبُوسٌ بالمكانِ الفُلَانيّ، وما زلْتُ به حتَّى أخْرجَهُ من السِّجْن وسلَّمَهُ إليَّ، فأخَذْتُه وجئتُ بهِ إلى حَلَب.
حَضَرْتُ مَجْلِسَ المَلِك الظَّاهِر رَحِمَهُ اللَّهُ مِرَارًا، وأنْشَده تَاجُ العُلَى لنَفْسِهِ قَصَائِد من شِعْره يَمْدَحَهُ فيها، وسَمِعْتُها من لَفْظه في تلك المَجَالِس، وكان يُنْشدُ عنه في الأحيانِ وَلَدهُ زَيْد لأنَّهُ أضرَّ في آخر عُمْرِه، فممَّا سَمعتُه من لَفْظه يُنْشدُ السُّلْطانَ المَلِكَ الظَّاهِر رَحِمَهُ اللَّهُ قَصِيدَة رَثى بها أخاهُ المَلِك الأشْرف مُحَمَّد ابن المَلِك النَّاصِر يُوسُف بن أَيُّوب رَحِمهم اللَّه، وكان قد اقْتُرِح عليه هذا الرَّوِي، وما أوْدعَ القَصِيدَةَ من ذِكْر الكَوَائن، والقَصِيدَةُ:[من الكامل]
دَاءُ المَنِيَّة ما لَهُ من آسِ … عقَدَ اليَقِيْنُ حُبَاهُمُ باليَاسِ
راجِعْ نُهَاك فأنْتَ أهْدَى والتَفِتْ … نظَرًا إلى الآثارِ والأرْمَاسِ
تاللَّهِ ما الدُّنْيا بدَار إقامةٍ … لمُسَوِّفٍ أو ذَاكِرٍ أو نَاسِ
هيَ ما رأَيْتَ وما سمعْتَ وَهَلْ تَرَى … إلَّا مَعَالِمَ أرْبُعٍ أدْرَاسِ
ومَعَاهدًا كانت حِمًى فتنكَّرَتْ … بعد الأنيسِ وبُهْجةِ الإيْنَاسِ
شربُوا على العلَّاتِ كأسًا فرَّقَتْ … جَمْعَ الفريق فَيا لَها مِن كَاسِ
أوَما هي الدُّنْيا وحَاصلُها المُنَى … والمُسْتَفادُ مصَائدُ الأنْفَاسِ
يا بُؤْسَ ما صنَعَتْ بسَادَةِ مَعْشَرٍ … غُرِّ الأسِرَّةِ قادةٍ أَشْوَاسِ