للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثِيَاب النَّفَّاطِيْن وخَاضَها مُحَمَّدُ بن يَزِيدَ بن مَزْيَد الشَّيْبَانِيّ، ثمَّ اتَّبَعَهُ النَّاسُ، فبَعَثَ إليه نَقَفُور بالهَدَايا، وخضَعَ له أكْثَر الخُضُوع، وأدَّى إليه الجِزْية عن رأسِهِ فَضْلًا عن أصْحَابه، ففي ذلك يقُولُ أبو العَتَاهِيَة (١): [من الطويل]

إمَامَ الهُدَى أصْبَحْتَ بالدِّين مَعْنِيًّا … وأصْبَحْتَ تَسْقِي كُلّ مُسْتَمطرٍ رِيَّا

لكَ اسْمانِ شُقَّا من رَشَادٍ ومن هُدَىً … وأنْتَ الّذي تُدْعَى رشيْدًا ومَهْدِيَّا

إذا ما سَخِطْتَ الشَّيءَ كان مُسَخَّطًا … وإنْ تَرْضَ شيئًا كان في النَّاسِ مَرْضِيَّا

بَسَطْتَ لنا شَرْقًا وغَرْبًا يدَ العُلَى … فأَوْسَعْتَ شَرْقيًّا وأوْسَعْتَ غَرْبيَّا

ووَشَّيْتَ وجْهَ الدِّين (a) بالجُوْدِ والنَّدَى … فأصْبَحَ وَجْهُ الأرْضِ بالرَّوْض (b) مَوْشيا

وأنْتَ أَمِيرَ المؤمنِيْن فَتَى التُّقَى … نشَرْتَ من الإحْسان ما كان مَطْوِيَّا

قضَى اللهُ أنْ صَفَّى (c) لهَارُون مُلْكَهُ … وكان قَضَاءُ اللهِ في الخَلْقِ مَقْضيًّا

تحَلَّبَتِ (d) الدُّنْيا لهَارُونَ بالرِّضَا … وأصْبَحَ نَقَفُورٌ لهَارُونَ ذِمِّيَا

فرجَع الرَّشِيْدُ عندما أعطَاهُ نَقَفُور إلى الرّقَّة، فلمَّا سقَطَ الثَّلْجُ، وأمِنَ نَقَفُورُ أنْ يُغْزَى، وتمكَّن بالمُهْلَةِ من التَّدْبِير نقَضَ ما كان بينه وبين الرَّشِيْدِ، ورجَع إلى حَالته الأُوْلَى، فلم يَجْتَرِ يَحْيَى بن خَالِدٍ، فَضْلًا عن غيره، على إخْبَارِ الرَّشِيْدِ بذلك، فبذَلَ هو وبنُوه للشُّعَراءِ الأمْوَالَ على أنْ يقُولُوا أشْعَارًا في إعْلَامِ الرَّشِيْدِ بغَدْر نَقَفُور، فكُلّهم كَاعَ وأشْفَق إلَّا شَاعِرًا من أَهْل جُدَّةَ (e) يُكْنَى أبا مُحَمَّد عَبْدُ الله بن يُوسُف، كان مُجِيْدًا جَيِّدَ النَّفَسِ، قَوِيَّ الشِّعْر، فاخْتَصَّهُ ذُو اليَمِيْنَين في أيَّام


(a) الديوان والطبري والإصفهاني وابن الجوزي: الأرض.
(b) الديوان والطبري والأصفهاني: بالجود.
(c) الديوان والأصفهاني: يبقى، الطبري: يصفو.
(d) الديوان والأصفهاني: تجللت .. ذي الرضا، المنتظم: تحليت … بالرضا.
(e) الطبري ٨: ٣٠٨: خُرَّة، وفي نسخة أخرى: جندة.

<<  <  ج: ص:  >  >>